للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح لمسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، فقيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهَّته " (١) قال: ابن عباس: حرم الله أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة والأحاديث في تحريم الغيبة كثيرة جداً معروفة في كتب الحديث، قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى، الغيبة، والإفك، والبهتان، فأما الغيبة: فهي أن تقول في أخيك ما هو فيه، وأما الإفك: فهو أن تقول فيه ما بلغك عنه، وأما البهتان: فهو أن تقول ما ليس فيه، ولا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن على من اغتاب أحداً التوبة إلى الله أو الاستغفار لمن اغتابه أو الإستحلال منه، وللشوكاني رسالة في ذلك، سماها: رفع الريبة عن مسألة الغيبة، وهي نفيسة جداً.

(أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً)؟ مثل سبحانه الغيبة بأكل الميتة لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه، كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه، ذكر معناه الزجاج، وفيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه وأنه كما يحرم أكل لحمه تحرم الاستطالة في عرضه، وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتقبيح لها والتوبيخ لفاعلها والتشنيع عليه ما لا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عنه الطباع الإنسانية، وتستكرهه الجبلة البشرية فضلاً عن كونه محرماً شرعاً، وفيه مبالغات، منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم للتعميم، والإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخاً، ومنها أنه لم يقتصر على لحم الأخ حتى جعله ميتاً، فهذا تمثيل على أفحش وجه.

(فكرهتموه) أي فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته، فالكلام من


(١) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>