وغير ذلك فلا ينافي أنها كانت موجودة في الأمم السابقة لكن على مزية وفضل أقل مما هي عليه الآن.
(ومطهرك) أي مبعدك ومخرجك (من الذين كفروا) أي من خبث جوارهم وسوء صحبتهم ودنس معاشرتهم برفعك إلى السماء وبعدك عنهم. قال الحسن: طهره من اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه، لأن كونه في جملتهم بمنزلة التنجيس له بهم، قاله الكرخي.
(وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا) أي الذين اتبعوا ما جئت به وهم خلص أصحابه الذين لم يبلغوا في الغلو فيه إلى ما بلغ من جعله إلها، ومنهم المسلمون فإنهم اتبعوا ما جاء به عيسى عليه السلام ووصفوه بما يستحقه من دون غلو فلم يفرطوا في وصفه كما فرطت اليهود، ولا أفرطوا كما أفرطت النصارى، وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم.
وقيل المراد بالآية أن النصارى الذين هم أتباع عيسى لا يزالون ظاهرين علي اليهود غالبين لهم قاهرين لمن وجد منهم فيكون المراد بالذين كفروا هم اليهود خاصة، وقيل هم الروم لا يزالون ظاهرين على من خالفهم من الكافرين، وقيل هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر بالمسيح. وقيل هم المسلمون والنصارى.
وعلى كل حال فغلبة النصارى لطائفة من الكفار أو لكل طوائف الكفار لا ينافي كونهم مقهورين مغلوبين لطوائف المسلمين كما يفيده الآيات الكثيرة بأن هذه الملة الإسلامية ظاهرة على كل الملل قاهرة لها مستعلية عليها.
وقد أفرد الشوكاني هذه الآية بمؤلف سماه (وبل الغمامة في تفسير)(وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) فمن أراد استيفاء ما في المقام فليرجع إلى ذلك.