أحد يخرج نفسه ورفيقه المخاطب عن الفناء، ولم يقل ويبقى وجه الرب من غير خطاب مع أنه أدل على فناء الكل، لأن كاف الخطاب في الرب إشارة إلى اللطف، والإبقاء إشارة إلى القهر، والموضوع موضع بيان اللطف وتعديد النعم، فلهذا قال: بلفظ الرب وكاف الخطاب.
(ذو الجلال) أي ذو العظمة والكبرياء، واستحقاق صفات المدح، يقال: جل الشيء أي عظم، وأجللته أي أعظمته وهو اسم من جل، قرأ الجمهور ذو على أنه صفة لوجه وقرىء ذي على أنه صفة لرب.
(والإكرام) معناه أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به وقيل: إنه ذو الإكرام لأوليائه، ففي وصفه بذلك بعد ذكر فناء الخلق، وبقائه تعالى إيذان بأنه تعالى يفيض عليهم بعد فنائهم آثار لطفه وكرمه حسبما ينبىء عنه قوله:(فَبِأَيِّ آلَاءِ)، فإن إحياءهم بالحياة الأبدية وإثابتهم بالنعيم المقيم من أجل النعم وأعظم الآلاء.
وعن " أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألظوا بياذا الجلال والإكرام " أخرجه الترمذي، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ومعنى ألظوا ألزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.
(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أبتلك النعم؟ من بقاء الرب. وفناء الكل والحياة الدائمة؛ والنعيم المقيم أم بغيرها؟ ومما قلت في معنى الآية:
تفنى السقاة وتفنى الكأس والنادي ... ومن تلاقيه من خل ومن عادي
لا تركنن إلى الدنيا وزهرتها ... يفنى الجميع ويبقى ربنا الهادي