يتوهم بأنها من المصورات، لأن فن التصوير لم يبلغ أن يكون للمصور أعينا يبصر بها كسائر الحيوانات، لأن البشر عاجز عن ذلك، أما اللون والشكل والحركة حتى النطق المحدود الذي يولجوه بها فقط فإنهم توصلوا لعمل ذلك بواسطة الآلات المحدثة، ولكن الإبصار لم يتوصلوا إليه ولن يتوصلوا لمعرفة مادته إلى الآن، ولم يقفوا على تراكيبها، فبقيت القوة الباصرة بالأعين مخزونة بأمر الله لم يطلع عليها أحد البتة، وما ندري ما يقع بعد:
وما تدري إذا ما الليل ولىّ ... بأي عجيبة يلد النهار
قال تعالى «وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ» المقترحة ونظهرها للأمم «إِلَّا تَخْوِيفاً» ٥٩ من نزول العذاب عليهم، ولذلك لم نجب اقتراح قومك بإرسال الآيات التي اقترحوها لأنا نعلم أن مصير المقترحين الهلاك وهو خلاف ما تريده أنت. أخرج بن جوير عن قتادة قال إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبرون أو يذكرون فيرجعون عن غيهم.
مطلب الآيات على ثلاثة أنواع وبيان الخمرة الملعونة:
وليعلم أن آيات الله تعالى على ثلاثة أقسام، قسم عام في كل شيء:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
وهنا فكرة العلماء وقسم معتاد كالبرق والرعد والخسوف والزلازل وفيها فكرة الجهلاء، وقسم خارق للعادة وهو نوعان نوع مقرون بالتحدّي وقد انقضى بانقضاء النبوة، وقسم غير مقرون به وهو الكرامة التي يظهرها الله تعالى على يد من شاء من عباده العارفين العاملين، وهناك فكرة الأولياء، والمعنى أنا تركنا إرسال الآيات لسبق مشيئتنا بتأخير العذاب عنهم لحكم نعلمها، قال تعالى «إِذْ قُلْنا لَكَ» يا أكرم الرسل «إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ» فلا يستطيع أحد الخروج عن مشيئته ولا يفعل شيئا دون إرادته وإن كل ما يقع في هذا الكون بقضائه وقدره، وإذ هنا منصوبة بفعل مقدّر أي اذكر يا محمد لقومك ما أوحيناه إليك من ذلك وأعلمناك أن الخلق كلهم في قبضتنا وإرادتهم من إرادتنا، فلا تبال بما تراه من كفرهم، وامض لأمرك وبلّغ ما أرسلت به ولا تخشهم، فالله حافظك ومانعك