[مطلب مراتب النفس ومواقف التهم وحكاية الزمخشري واجتماع يوسف بالملك بعد توليه الوزارة:]
«إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ» أي جنس النفس طبعها الأمر بالسوء لما فيها من القوى الشهوانية، والسوء لفظ جامع لكل ما يتهم به الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية، أما السيئة فهي الفعلة القبيحة، والنفس من حيث هي واحدة لها صفات منها هذه، ومنها اللوامة ومنها المطمئنة، فإذا دعيت النفس إلى شهواتها ومالت إليها فهي الأمارة بالسوء، فإذا منعتها النفس اللوامة على ما نوته من القبح يحصل لها الندامة فيكون من صفاتها المطمئنة أي أن النفس على الإطلاق تأمر صاحبها بعمل السوء، لأن الإنسان إذا ترك وشأنه كان شريرا بالطبع «إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي» إلا النفس التي رحمها الله وعصمها كنفوس الأنبياء أمثال يوسف عليه السلام، ولم يخص نفسه تواضعا وهضما لنفسه، وقد تأتي ما بمعنى من كما هنا وكما في قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) الآية ٣ من سورة النساء في ج ٣، راجع الآية ١٦ من سورة الفرقان في ج ١ وجعل الاستثناء هنا متصلا أولى من جعله منفصلا كما لا يخفى «إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ» لما يعتري النفوس بمقتضى طباعها لأن منه ما لا يكون في طوق البشر دفعه كالهم والميل المجردين عن القصد والنية وهو «رَحِيمٌ ٥٣» بعصمة تلك النفوس من الجري على موجب ذلك لخروجه عن الوسع وإنما تورع عليه السلام بالقول ليتوصل إلى ما يحمل الملك على الهداية والإيمان بالله تعالى كما توصل إلى إيقاع الحق لصاحبه بالسجن لهذه الغاية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف مواقفها، قال عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف مواقف التهم. وأخرج مسلم من رواية أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمرّ به رجل فدعاه وقال هذه زوجتي، فقال يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال صلّى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم، أي يأخذه لطرق الشرّ من حيث لا يحس ويأتيه من كل جوانبه من كل مسلك كما أن الدم يجري في جميع عروق ابن آدم وهو لا يحس به فهو من قبيل المعلوم غير المحسوس مثل