للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجَرَ»

فضربه عليه السلام «فَانْبَجَسَتْ» ترشحت عن ماء قليل وهو معنى الانبجاس ولم تكرر هذه في القرآن أيضا، وجاء في الآية ٦٠ من البقرة في ج ٣ (انفجرت) أي خرج منها ماء كثير، قال يعبر بالانبجاس اعتبارا بأول الخروج، وبالانفجار اعتبارا بنهايته «منه» أي الحجر المضروب «اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً» لكل سبط عين «قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ» منها على حدة لئلا يدخل سبط على الآخر فيأخذ من سقائه فيختلفوا والله أكرم من أن يجعل على عباده عذابين، عذاب التيه وعذاب الاختلاف، ثم شكوا إلى موسى بعد أن أمن لهم شربهم عدم وجود ما يظلهم من الشمس فدعا الله ربه فأجابه بقوله: «وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ» بحيث صار يسير معهم إذا ساروا ويسكن إذا وقفوا ثم شكوا إليه الجوع إذ نفد ما عندهم فدعا ربه فأجابه بقوله «وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى» المنّ معروف شيء حلو لزج يضرب إلى البياض، والسلوى نوع من الطير يسمى الآن السمن أميز من العصفور، جلّت قدرته هو الذي شردهم جزاء مخالفتهم، وهو الذي تلطف بهم وتعطف عليهم وقال لهم «كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ» من الماء العذب والمن الحلو والسلوى الدسم والظل الوافر طيلة مدة تيهكم «و» هؤلاء لما كفروا بهذه النعم الجليلة التي تأتيهم دون تعب وقالوا قد سئمنا منها، كما سيأتي في الآية ٦١ من البقرة من ج ٣ «ما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ١٦٠» بتضجرهم وعدم صبرهم كأن لهم علينا منّة ويتطلبون ما تهوى أنفسهم، ولم يعلموا أنا إنما نعاقبهم لسوء أعمالهم. ونرحمهم لعلهم يرجعون إلينا تائبين، لأن المكلف إذا مر بشيء فعدل إلى غيره كان هو الجاني على نفسه، وهو الظالم لها، لأنه أوردها للشرّ، فيكون وبال ظلمه عليه لا على غيره.

مطلب أسباب تشرد بني إسرائيل والآيات المدنيات:

ثم شرع جل شأنه يقص علينا أسباب تشردهم وعملهم الذي أوجبه فقال (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) بواسطة نبيهم عليه السلام «اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ» بيت المقدس

<<  <  ج: ص:  >  >>