لقليل العلم أن يكف عن التفكير في هذا ويتركه لأهل المعرفة الراسخين في العلم، لأن قلوب العارفين لها عيون، ترى ما لا يراه الناظرون. ثم شرع في بيان حال الكافرين عنده فقال جل جلاله «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» في الآخرة لأنهم تفكهوا في الدنيا وأخذوا لذتهم منها، فجاءوا للآخرة بلا عمل صالح «وَأُولئِكَ» الكافرون بالله ورسله الذين ابتاعوا الآخرة بالدنيا والرحمة بالعذاب «هُمْ وَقُودُ النَّارِ»(١٠) ليس لهم عند الله ما يدفع عنهم عذابها،
فدأبهم التكذيب والجحود «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» مع السيد موسى عليه السلام «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» مع رسلهم «كَذَّبُوا بِآياتِنا» التي أنزلناها لهم على أيدي رسلهم كما كذب أولئك «فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ» وأهلكهم بتكذيبهم «وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ»(١١) إذا عاقب وتفيد هاتان الآيتان أن الإنسان مهما أوتي من قوة مالية أو بدنية لا يقدر أن يقاوم قدرة الله، وأن الكفر بآياته سبب لنقم الدنيا والآخرة، فعلى العاقل أن يعتبر بمصير الأمم السالفة ويركن للأخذ بما جاءه على لسان رسل ربه كي ينجو مما حلّ بالمخالفين، فيا سيد الرسل «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» من قومك المحدّين لك «سَتُغْلَبُونَ» في هذه الدنيا حتما مهما كنتم عليه من قوة، ثم تقتلون وتموتون «وَتُحْشَرُونَ» في الآخرة فتحاسبون على كفركم ثم تساقون «إِلى جَهَنَّمَ» لتجاوزا على كفركم «وَبِئْسَ الْمِهادُ»(١٢) مهاد جهنم.
[مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:]
قال ابن عباس وغيره: لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش وأسلموا له، فقد عرفتم أني نبي مرسل في كتابكم، فقالوا إنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب، فلو قاتلناك لعرفتنا، فأنزل الله تلك الآية وهذه «قَدْ كانَ لَكُمْ» أيها اليهود عبرة «آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا» في بدر «فِئَةٌ» قليلة مؤمنة «تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يعني حضرة الرسول وأصحابه «وَأُخْرى» فئة