للإيمان بما جاء عنك في كتابك محكمه ومتشابهه بعد أن أرشدتنا لدينك الحق «وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً» تثبتا بها على ذلك «إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(٨) كثير العطاء، اسم مبالغة من الواهب بلا أمل عوض أو قضاء غرض، وهذا هو معنى الهبة الحقيقية، ولما كانت القلوب محلا للخواطر والإرادات والنيات وهي مقدمات الأفعال وسائر الجوارح تابعة لها، خصها بالذكر، والقائلين أيضا «رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ» يوم البعث والفصل الذي ينكره عمه القلوب. والوعد في هذا اليوم الذي تجتمع فيه الخلائق بعد فنائها هو وعد حق «إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) » كما يحقق وعده في كل ما ذكره في كتابه وعلى لسان رسوله، فمن سبقت له السعادة في علمه هدي للأخذ بما أنزل الله فيحيا، ومن سبقت له الشقاوة زاغ قلبه فمال إلى التأول فوقه في الشك فهلك. وبعد أن بين الله تعالى في هذه الآيات التسع انفراده بالوهيته وبالحياة الأبدية واستحقاقه للعبادة وأنه هو الواضع للشرائع بما أنزل من الكتب على لسان الرسل، وانه واهب الحياة لكل حي، والعقل لكل عاقل ومنظم السنن للخلق، وجاعل الآيات عبرة لذوي العقول، وأنه يمهل الظالمين ليرجعوا إليه، وإن أصروا فلا يهملهم من عذابه لعدم اعتقادهم بما أوجبه عليهم من الأخذ بالكتب والطاعة للرسل، ثم ندد بالنصارى لاتخاذهم عيسى إلها بسبب بعض ما أظهره الله على يده من المعجزات، ولم يعلموا أن الله هو الذي منحه إياها لهدايتهم لدينه في زمنه، وأنه هو الذي كونه برحم أمه بلا أب وجعله آية منه لعباده، ليعلموا أن قدرته غير متوقفة على شيء من الأسباب الظاهرة، ثم انه بين لعباده أن القرآن منه محكم ومتشابه ليتفاوت الخلق في معرفته، وليعلموا من مغزاها وجوب الأخذ بظاهر المتشابه، لأن التأويل تحكم في مراد الله وهو مذموم عنده، ومن مقتضى الرسوخ بالعلم التصديق بظاهر ما أخبر الله كما يليق بجلاله لا كما تدركه عقولهم من الأمور المحسوسة، لأن أمور الله غير محدودة، وإدراك البشر محدود، والمحدود لا يحيط بغير المحدود، فالاعتراف بالعجز عما لا يدرك والسكوت عن السؤال فيه سدّ لسد مداخل الشيطان إلى الإنسان بما يؤدي لوضع الشك في القلب، والأحسن