مع أن أبا طالب رحمه الله توفي في مكة السّنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاث سنين كما أشرنا في الآية ٢٦ من الأنعام في ج ٢، وهذه السّورة من آخر القرآن نزولا فلا يستقيم نزولها فيه، على أنه لا يستبعد أنه صلّى الله عليه وسلم كان لا يزال يستغفر له من وفاته إلى نزول هذه الآية كلما جاء ذكره أو تذكر موافقه وشدة حرصه عليه وزيادة محبته له وتوسمه الخير فيه حال حياته لعظيم حقه عليه ولا يراد أنها عقب قوله لاستغفرت لك إلخ، بل المراد أن هذا هو سبب النّزول فلذلك لا يصح. وما ورد من أنه صلّى الله عليه وسلم بعد موت أبي طالب صار يبكي عليه ولم يخرج من بيته حتى نزلت هذه الآية، فهو قول وامر لا يعتد به ولا يلتفت إليه، لأن بين وفاته ونزول هذه الآية ما يزيد على اثنتي عشرة سنة، ويبعد عليه صلّى الله عليه وسلم مثل ذلك، وحاشاه، ولذلك فإن غالب ما ينقله بعض النّاس عن أهل البيت في هذا الصدد لا صحة له أيضا، لأنهم يعلمون أنه مات مؤمنا وينقلون في أخيه العباس أنه سمعه نطق بالشهادتين في آخر رمق من حياته علنا.
[مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:]
ومما يدل على إيمانه سر الأبيات التي نقلها عنه أهل بيته وغيرهم في مدح ما علمه حضرة الرّسول وهي:
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البريّة دينا
الأبيات المارة في الآية ٥٧ من سورة القصص ج ١ لأن قوله فيها:
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك قمينا
أي مجاهرا به على رؤس الأشهاد وما أخفيته، مما يدل على أنه مؤمن فيما بينه وبين ربه، لا أنه سرّ أخاه العباس بالإيمان خفية عن قومه، بل اعترف له بالإيمان قبل وفاته وأن الذي نزل في أبي طالب هو قوله تعالى:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية المذكورة في سورة القصص. والصّحيح في هذا أن المسلمين لما رأوا رسول الله يستغفر لوالديه وجده عبد المطلب صاروا يستغفرون لموتاهم