للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي كلام السوء وليس بشيء لمخالفته الظاهر. واعلم يا محمد أن هؤلاء المتقوّلين ضلّال لا يؤمنون بآيات الله و «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ» لفهمها بالدنيا «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ١٠٤ في الآخرة، ثم أشار إليهم بأن محمدا لا يفتري الكذب بقوله «إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ» الكفرة «الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ» المنزلة على رسوله «وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ» ١٠٥ ومحمد براء ومعصوم مما يتهمونه به.

[مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا.]

واعلم أن الكذب من الكبائر لأنه إيجاد ما لم يوجد، روى البغوي بإسناد الثعلبي عن عبد الله بن جرار قال: قلت يا رسول الله المؤمن يزني؟ قال قد يكون ذلك، قلت المؤمن يسرق؟ قال قد يكون ذلك، قلت المؤمن بكذب؟ قال لا، قال تعالى (إِنَّما يَفْتَرِي) إلخ. «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ» مختارا طائعا وجب قتله في الدنيا وفي الآخرة هو خالد في جهنم «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ» على كلمة الكفر من شخص يتحقق إيقاع الضرر منه فأجرى كلمه الكفر على لسانه تقية كما تجوز موالاة الكفرة تقية على ما يأتي في الآية ٣٩ من آل عمران في ج ٣، لأن التوسل لخلاص النفس بلفظ الكفر ظاهرا «وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» فلا وزر عليه لأنها رخصة من الله تعالى أعتق بها نفسه، وقد تفضل الله تعالى على عباده بها والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، فإذا قبلها وأخذ بها فلا بأس عليه، وإذا لم يقبلها ولم يأخذ بها وأبى أن يكفر وقتل من أجل إيمانه فقد أخذ بالعزيمة ولا وزر عليه بل يثاب، لأن الأفضل في مثل هذا أن يؤخذ بالعزيمة لا بالرخصة، لاحتمال عدم القتل، لأن بلالا وصهيبا وخبابا وسالما أوذوا بالضرب والحرق بالنار وألبسوا أدراع الحديد ووضعوا بحر الشمس في تلك البلاد الحارة، وقد وضعت عليهم الأحجار الحارة لإجبارهم على الكفر، فصبروا ولم يكفروا بلسانهم، ثم تركوا ولم يقتلوا وفازوا بخير الدارين، أما من أكره على شرب الخمر أو أكل لحم الميتة أو الخنزير ومما هو دون المكفرات كالربى والقمار

<<  <  ج: ص:  >  >>