الواحد، وهذه الآية تشعر بذمّهم لأنهم آمنوا ببعض ما في كتبهم وكفروا ببعض، فسببوا تشتيت الكلمة وانحاز كل منهم إلى جهة ترمي بخلاف ما عليه الحزب الآخر.
وتؤذن هذه الآيات بأن قوم محمد صلّى الله عليه وسلم تقولوا فيه الأقاويل، واختلفوا فيما بينهم بشأنه وشأن كنابه وربه عز وجل، فاتبعوا الباطل وعملوا عن الحق الذي جاءهم به.
وإذا كان هذا شأنهم يا حبيبي «فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ» غفلتهم وجهلهم وعماهم «حَتَّى حِينٍ» ٥٤ انقضاء الأجل المضروب لهم «أَيَحْسَبُونَ» المؤمنون من قومك «أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ» نمنح به هؤلاء الكفرة «مِنْ مالٍ وَبَنِينَ» ٥٥ في هذه الدنيا هو خير لهم؟ كلا، قال تعالى (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) الآية ٥٥ من سورة التوبة ج ٣، وإذا كان هذا شأنهم فاعلم يا سيد المرسلين أنا نحن إله الكل وإنّا كنا ولا زلنا
«نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ» لا لرضانا عنهم بل لنستدرجهم بها ولينهمكوا في معاصيهم ونزداد سخطا عليهم (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) الآية ١٧٨ من آل عمران في ج ٣ «بَلْ لا يَشْعُرُونَ» ٥٦ أن ذلك لشرهم لأنهم أشباه البهائم يصرفون وجودهم لشهواتهم ولا يتأملون فيما ينفعهم ويضرهم، والاستدراك في قوله أيحسبون أي لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتدبروا عاقبة أمرهم ويعملوا ما ندر لهم من الخير، هل هو استدراج أو مسارعة في الخير؟ وهذه الآية على حدّ قوله تعالى (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) الآية المكررة في سورة التوبة من ج ٣، وهي حجة على القائلين أن الله تعالى لا يفعل إلا ما هو الأصلح للعبد، لأنها تصرح أن هذا العمل الذي أراده الله لهؤلاء ليس بأصلح لهم في دينهم؟
وقد ألمعنا لهذه الآية في الآية ١٩ من سورة الأنعام المارة، وفيها ما يرشدك لمراجعة المواضع المفصل بها هذا البحث فراجعها، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» ٥٧ خائفون وجلون «وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ» ٥٨ إيمانا تاما محصنا لا يجادلون فيها ولا يشكون ولا يحصل لهم ريب أو مرية في شيء منها «وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ» ٥٩ به أحدا ولا شيئا «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ» يفعلون «ما آتَوْا» من الأعمال «وَقُلُوبُهُمْ