للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرب المحال كقوله لا آتيك حتى يشيب الغراب أو يبيضّ القار أو يسود الثلج، وخص الجمل لأنه أكبر الحيوانات في الجملة عندهم، حتى انهم يضربون به المثل فيقولون جسم الجمال وأحلام العصافير، لقليل العقل. ويضربون المثل الضيق المسلك بثقب الإبرة كناية عن الشيء الذي لا يكون قال:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب

ويطلق الجمل على الحبل الغليظ ولذلك فسره به بعض المفسرين لأنه مما يسلك إلا أن سلكه في الابرة محال، وعلى كل فيكون دخولهم في الجنة محالا، كما أن دخول الجمل أو الحبل الغليظ في ثقب الابرة محال، لأنه مما لا تتعلق به القدرة لعدم إمكانه ما دام العظيم على عظمه والضيق على ضيقه لأنها انما تتعلق بالممكنات الصرفة، والممكن الولوج بتصغير الغليظ وتوسيع الضيق فاذا أراد الله تعالى مثل هذا فعل ما يريد وهو على كل شيء قدير. واعلم أن من فسر الجمل بالحبل قرأه بضم الجيم وتشديد الميم كي يراد به الحبل الذي ذكرناه في الآية ٣٣ في المرسلات المارة قال تعالى «وَكَذلِكَ» مثل ذلك الجزاء الفظيع «نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ٤٠» في دنياهم في الدار الآخرة وأل فيه للجنس فيشمل كل مجرم

ثم بين حالتهم في النار بقوله «لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ» فراش تحتهم «وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ» أغطية منها ونظير هذه الآية قوله «مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ» الآية ١٦ ص الزمر في ج ٢ يعني أن النار محيطة بهم «كَذلِكَ» مثل هذا الجزاء الشديد «نَجْزِي الظَّالِمِينَ ٤١» أنفسهم في الدنيا بالعذاب الشنيع في الآخرة وحرمانهم من الجنة «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» في دنياهم لهم ما يشاءون في الآخرة لا يضيّق عليهم فيها أبدا لأنا «لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» بما يسهل عليها ويكون في طوقها ممّا لا حرج فيه عليها من الأعمال وهذه جملة اعتراضية بين المبتدأ وهو الموصول والخبر وهو «أُولئِكَ» أي المؤمنون بالله العاملون صالحا هم «أَصْحابُ الْجَنَّةِ» في الآخرة الدائمة و «هُمْ فِيها خالِدُونَ ٤٢» أبدا، والذي أحسن وقوعها مناسبتها للمعنى لأنه لما ذكر العمل ت (٢٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>