[مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:]
اعلم أن الإيمان إذا فسر بمقتضى اللغة بمعنى التصديق فلا يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتجزأ حتى يتصور كماله مرة ونقصه أخرى، وإذا فسر بلسان الشرع بأنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، فانه يزيد وينقص، وهذا ما ذهبت إليه مع أني حنفي المذهب، والحنفية لا يقولون بذلك، لأنه مذهب أهل السنة من أهل الحديث المؤيد بقوله تعالى (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) الآية ١٢٤ من سورة التوبة الآتية، وقوله صلّى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. إذ أثبت الزيادة بالآية، ونفى الإيمان أو كماله بالحديث، لأنه وإن كان التصديق نفسه لا يزيد ولا ينقص إلا أن الإيمان يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها، وعلى هذا فإن من آمن بلسانه ولم يصل ولم يصم ولم يحج ولم يزك فلا يسمى مؤمنا بل مسلما، قال تعالى (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) الآية ١٥ من الحجرات الآتية، على أن إيمانه هذا المجرد عن العمل قد يدخله الجنة، راجع الآية ٨٢ من سورة الأنعام ج ٢، والآيتين ٤٧/ ١١٧ من سورة النساء الآتية، وما ترسدك إليه لتعلم أن مجرد الإيمان كاف لدخول الجنة إذا شاء الله، وهذا معنى جامع بين ظواهر جميع النصوص الواردة بزيادة الإيمان ونقصه، لأنه لا يعقل أن أقول إن إيماني مثل إيمان أبي بكر رضي الله عنه، وان إيمان العارفين كإيمان أحاد الناس الذي تزلزله الشبهة وتعتريه الشكوك عند المناظرة. أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. وهذا يدل أيضا على أن الأعمال الصالحة من الإيمان، وقدمنا أول سورة فاطر في ج ١ ما يتعلق في هذا البحث فراجعه. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» تخوفهم وتحذرهم عاقبة أمرهم يا سيد الرسل فهم «لا يُؤْمِنُونَ»(٦) وهذه الآية الكريمة في الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وذلك لأنه «خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ» فلا يعقلون بها «وَعَلى سَمْعِهِمْ» فلا يسمعون بها سماع قبول، وإذا حرموا من هاتين الحاستين فلا يفقهون شيئا، والختم والطبع خلق الظلمة والضيق