نزلت بمكة بعد سورة النحل، وهي ثمان وعشرون آية، ومثلها في الآي سورة التحريم فقط، ومئتان وأربع وعشرون كلمة، وتسعة وتسعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى:«إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ» وقلنا له «أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ١ وهو الغرق العام في الدنيا والعذاب الفظيع في الآخرة وهو أخزى وآلم من عذاب الدنيا، وتقدم نسب سيدنا نوح مع قصته وقومه في الآية ٣٧ من سورة هود المارة، «قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ» من الله «نَذِيرٌ مُبِينٌ» ٢ لا أخفي عليكم شيئا مما أرسلني به إليكم وأول ما آمركم به هو «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ» ٣ فيما أرشدكم إليه فإن فعلتم ما أنصح به إليكم «يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ» السابقة التي بينكم وبينه، أما الحقوق التي بينكم فعليكم أن تؤدوها لمستحقيها، لأن الإيمان لا يسقطها، إلا أن تسامحوا بينكم، وإلا فتعاقبوا عليها وتؤاخذوا بها، ولهذا المغزى قال تعالى (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي بعضها ولم يقل ذنوبكم، لما فيه من الشمول بحقوق الناس، على أنه إذا شاء فإنه يرضي خصومكم ويتوب عليكم «وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» عنده لم يطلع أحدا عليه ومن رحمته بكم أن أمهلكم ولم يجعل عقوبتكم كي ترجعوا إليه قبل حلوله «إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ» أبدا عن وقته، لأن العذاب والموت لهما أجلان عند الله لا ينزلهما بعباده إلا بانقضائهما «لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ٤ حقيقة ما أقوله لكم وعاقبته لسارعتم لما آمركم به ولقبلتموه نوا، ولكنكم لستم من أهل العلم لتفقهوا نفع ما جئتكم به، ولا يقال كيف يقول يؤخركم، ثم قال إذا جاء لا يؤخر، لأن الله تعالى قضى في سابق علمه أن قوم نوح إذا آمنوا يعمرون ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكوا قبل ذلك، فقال لهم رسولهم آمنوا يؤخركم إلى وقت سماه لكم تنتهون إليه، وهو الأطول، ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت الأقل