(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) الآية من آخر سورة المؤمن الآتية، وتقدم ما يتعلق في هذا البحث في الآية ١٣٧ من سورة الشعراء المارة ج ١، وله صلة في آخر سورة المؤمن المذكورة، وفي الآيتين ١٦/ ١٧ من سورة النساء في ج ٣.
واعلم أن قول فرعون لا يدل على الإخلاص بل يقيد التشكيك، لأنه لم يقل آمنت بالله الذي لا إله إلا هو، ولم يقل كما قالت السحرة (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) الآية ١٢٠ من سورة الأعراف المارة في ج ١، وأن قوله (آمنت بالذي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) هذا دليل على عدم اعتقاده صحته، لأنه كان دهريّا ينكر الصانع الأعظم، ولذلك ادعى الربوبية على قومه الذين يعبدون الأوثان، فلم تنفعه توبته ولا إيمانه، لأنه لم يجنح إليها إلا بعد انفلاق بابهما بحضور الموت بصورة لم يبق معها له أمل بالنجاة منه، ولو أراد الله لوفقه لهما عند رؤية معجزة انفلاق البحر، إذ كان في الوقت فسحة ولكن من يرد الله خذلانه فلا هادي له.
[مطلب الحكمة في عدم قبول إيمان اليائس وإخراج جثة فرعون ومعجزة القرآن:]
قال تعالى «آلْآنَ» تركن إلى الإيمان وقد ضيعت وقته، لا لا سبيل لك إليه «وَقَدْ عَصَيْتَ» ربك وبغيت وتطاولت بادعائك الألوهية «قَبْلُ» هذا الوقت وقد دعيت للإيمان سنين كثيرة ولم تجب دعوة رسولنا، ولم ترجع إلينا، أما الآن وقد اضطررت في وقت اليأس من الحياة فلا سبيل لإجابة طلبك الإيمان لإعراضك عنه في وقته «وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١» في أرض الله وعباده وبلاده، وأهنت رسلي وتجبرت على عبادي. والحكمة في عدم قبول إيمان اليائس هو أن الناس إذا صاروا في تلك الحالة يضطرون إلى الإيمان ليخلصوا من العذاب، فلو قبل منهم لآمن كل أتباع الرسل المتقدمين، ولما أهلك الله منهم أحدا فتتعطل الحكمة المرادة من تعذيب الكافر وتنعيم المؤمن، لأنه إذا قبل إيمان الكافر عند آخر رمق من حياته يتساوى مع المؤمن بنعيم الجنة، وهذا مخالف لإرادة الله ووعده ووعيده، ولهذا اقتضت إرادته الأزلية بعدم الانتفاع بإيمان اليائس، وعند نزول العذاب الذي لا محيد عنه لتحصل ثمرة التفاوت بين المؤمن والكافر، وكذلك