على الرجعة إلى رسول الله وقالوا قد أصبنا جل أصحابه وقادتهم لنكرّن على بقيتهم ولنفرغنّ منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد؟ قال محمد قد خرج عليكم بطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا، وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على صنيعهم، وفيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط، قال أبو سفيان ما تقول؟ قال والله ما أراك ترحل حتى ترى نواصي الخيل، قال فو الله لقد أجمعنا على الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، فقال والله إني أنهاك عن ذلك، فو الله لقد حملني ما رأيت على أن قلت أبياتا قال وما قلت، قال قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
توري بأيد كرام لا تبابلة ... عند اللقاء ولا ميل معاذيل
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطغطت البطحاء بالخيل
أتى نذير لأهل السيل ضاحية ... لكل ذي اربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وحش تقابله ... وليس يوصف ما أنذرت بالفيل
قالوا فثنى ذلك أبو سفيان ومن معه. ومن هنا يعلم أن الكذب لمصلحة جائز كما بينته في الآية ٢٦ من سورة الأحزاب الآتية، وبأثناء هذا مر ركب من عبد القيس فقال أين تريدون؟ قالوا المدينة لأجل الميرة، قال فهل أنتم مبلغون عنا محمدا رسالة وأحمل لكم آبالكم زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا نعم، قال إذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، وانصرف أبو سفيان إلى مكة.
ومرّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال صلّى الله عليه وسلم وأصحابه حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم انصرف رسول الله راجعا إلى المدينة بعد ثالثة، فنزل قوله تعالى «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ» أي ركب عبد القيس المار ذكره «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» يعني أبا سفيان وقومه «فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ» هذا القول «إِيماناً» على إيمانهم وفي هذه