الشورى الآتية «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ٦٣» وهذه متصلة بما قبلها أي أنه تعالى ينجي المتقين ويهلك الكافرين ويجعل صفقتهم خاسرة (وجملة اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) معترضة مشار فيها إلى أنه الذي لا يخفى عليه شيء لأنه الخالق لكل شيء الفاتح كل شيء «قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ ٦٤» بعد أن ظهر لكم الدليل القاطع والبرهان الساطع مما تقدم بأنه لا يستحق أحد العبادة غيره، وجاءت هذه الآية بمعرض الجواب للكفرة القائلين لحضرة الرسول أن يوافقهم على دين آبائهم وعبادة أوثانهم تبكيتا لهم كيف يدعونك يا سيد الرسل إلى هذا «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ» الأنبياء إخوانك بأن يبلغوا كل فرد من أممهم فيقولون له «لَئِنْ أَشْرَكْتَ» شيئا مع ربك بالعبادة «لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» بسبب الشرك وكما أن الإيمان يجب ما قبله فالشرك يمحق ما قبله من الأعمال الصالحة، واللامان في لئن وليحبطن موطئتان للقسم كأنه جل قوله يقول اعلم أيها الرجل وعزتي وجلالي لئن أشركت ليحبطن عملك «وَلَتَكُونَنَّ» أيها الإنسان «مِنَ الْخاسِرِينَ ٦٥» لخيري الدنيا والآخرة.
[مطلب في عصمة الأنبياء والردة وخلاف الأئمة وإحباط العمل وتعريفات منطقية:]
وإنما صح هذا الخطاب على ظاهره لحضرة الرسول ولمن قبله من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام مع علمه بمعصوميتهم واستحالة الشرك عليهم، لأن المراد به غيره من أممهم على طريق ضرب المثل (إياك أعني واسمعي يا جاره) وعلى فرض المقصود به الأنبياء لأن الخطاب موجه إليهم خاصة فيكون لتبهيج حضراتهم وإقناط الكفرة والإيذان بشناعة الشرك وقبح الكفر وكونهما بحيث ينهى عنهما من لا يكاد يقربهما، وإذا كان ينهى عنهما من لا يتصور مباشرتها منهم فكيف بمن عداهم وهما على غاية من الذم ونهاية من الشؤم، وعلى القول بأن المراد أمم الأنبياء فتفيد هذه الآية التنبيه الشديد والوعيد الأكيد لمن يشرك بالله وتهدده بأن مصيره والعياذ بالله إلى الخسران الذي ما بعده خسران، وما استدل به صاحب المواقف على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليس بشيء ولا وجه له، وقد أوضحنا ما يتعلق بعصمة الأنبياء في الآية ٤٤ من سورة يوسف المارة وفي الآية ١٢٤