«قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا» سفلتهم وفقراءهم «مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» ٢١ في الآخرة يعني رؤساءهم وأغنياءهم لأن مالهم وولدهم وإن كانا من جملة المنافع في الدنيا إلا أنهما بسبب الكفر صارا سببا للخسارة في الآخرة، وقرىء وولده بضم الواو لغة بالولد بفتحها ويجوز أن يكون جمعا كالفلك فيصدق على الواحد والمتعدّد، ثم شرع يعدد سيئاتهم فقال «وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً» ٢٢ مبالغة كبير يقرأ بالتخفيف والتشديد، وذلك لأنهم صدّوا الناس عن اتباعه بشتى الوسائل وسلطوا عليه السفهاء والعيد «وَقالُوا» رؤساؤهم وقادتهم لأتباعهم وسوقتهم وفقرائهم وسفلتهم «لا تَذَرُنَّ» لا تتركوا «آلِهَتَكُمْ» وداوموا على عبادتها، ثم أكدوا النهي وصرحوا بأسمائها فقالوا «وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً» ٢٣ كما يقول لكم نوح، فهذه هي آهتكم فتمكوا بها ولا تنظروا إلى ما يقوله لكم، أفردوا هذه الأصنام الخمسة بالذكر مع أنها داخلة في آلهتهم، لأنها عندهم أعظمها، قالوا كانت ودّ بصورة رجل، وسواع بصورة أنثى، ويغوث بصورة أسد، ويعوق بصورة فرس، ونسر بصورة نسر، وكان لكل منها خدم وحشم وجماعة يعظمونها ويرجونها ويخافونها، ومنهم انتقلت عبادة الأوثان لما بعدهم من الخلق. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت هذه الأوثان التي كانت تعبد قوم نوح في العرب تعبد، أما ود فكانت لكلب دومة الجندل، وسواع فكانت لهذيل، ويغوث لمراد، ثم صارت لبني غطيف بالجرف عند سبأ، ويعوق لهمدان، ونسر لحمير لآل ذي الكلاع، وهذه غير اللات التي كانت تعبدها ثقيف، والعزّى لسليم، وغطفان وجشم ومناة لخزاعة بقديد، وأساف ونائلة وهبل لأهل مكة، ولذلك سمت العرب أنفسها بعبد يغوث وعبد ودّ وعبد العزّى وغير ذلك (وكبّارا) لغة أهل اليمن، قال قائلهم:
والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضّاء
وقال الآخر:
بيضاء تصطاد القلوب وتسمّي ... بالحسن قلب المسلم القرّاء