معنى للوجوب، وقد أكد ذلك بختم الآية بجملة (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي يعذب ويغفر بسبب وبلا سبب
قال تعالى «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ» فإنا نكفيك شرهم فلا تبال بهم ولا تهتم بشأنهم لأنهم «مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ» أي منافقون «وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا» أي طائفة منهم وهؤلاء لا يعبأ بهم لأنهم «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ» افتراء من أنفسهم وذلك أنهم كانوا يجلسون عند حضرة الرسول فيقولون قال كذا وكذا ولم يقله فهم «سَمَّاعُونَ» عيون وجواسيس «لِقَوْمٍ آخَرِينَ» منهم «لَمْ يَأْتُوكَ» لينقلوا كلامك لهم على صحته بل «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ» التي وضعها الله من فرض فرائضه وتحليل حلاله وتحريم حرامه. اعلم أنه لا يوجد في القرآن آية مصدرة بيا أيها الرّسول غير هذه الآية ٧٠ الآتية، أما الآيات المصدرة بيا أيها النّبي فهي اثنتا عشرة، ثلاث بالأنفال ٦٥ و ٦٦ و ٧١ وخمسة بالأحزاب ١ و ٢٨ و ٤٥ و ٥٠ و ٥٩ وواحدة بالتوبة ٧٤، وواحدة في الممتحنة، وواحدة في الطّلاق، في التحريم ١٢. واعلم أن الفرق بين قوله تعالى عن مواضعه في الآية المارة وبين قوله من بعد مواضعه في هذه الآية أنهم في هذه الآية يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النّصوص الصّحيحة وليس فيها بيان أنهم يحرفون تلك اللّفظة من الكتاب، وفي الآية السّابقة يجمعون بين الأمرين التأويلات الفاسدة وتحريف اللّفظ من الكتاب، وفي الآية السّابقة يجمعون بين الأمرين التأويلات الفاسدة وتحريف اللّفظ، ففي قوله تعالى (عَنْ مَواضِعِهِ) إشارة إلى التأويل الباطل وفي قوله (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) رمز الى إخراجه من الكتاب بالكلية، أما آية البقرة ٤٦ التي عبارتها (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) فهي في تبديل كلام الله الذي أسمعهم إياه في المناجاة حينما ذهبوا مع موسى عليه السلام، تدبر. ثم بين تعالى وجه هذا التحريف بقوله جل قوله «يَقُولُونَ» لقومهم «إِنْ أُوتِيتُمْ هذا» المحرف المزال عن مواضعه «فَخُذُوهُ» واعملوا به لأنه حق بزعمهم «وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ» عينا وأتاكم محمد بما يخالفه «فَاحْذَرُوا» أن تأخذوه وتعملوا به، لأنه من عنده لا من عند الله قاتلهم الله، وهذا من بعض ما يفتنون به بعضهم بقصد صدهم عن الدّين الحق الذي جاءهم به محمد صلّى الله عليه وسلم