قال أشهد أنك لصادق وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك عبده ورسوله، والله لم يطلع على هذا أحد إلا الله وأنا وأم الفضل، وأمر ابني أخيه المذكورين، فأسلما، ويرحم الله الأبوصيري إذ يقول:
وإذا سخر الله سعيدا ... لأناس فإنهم سعداء
قال تعالى «وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ» هؤلاء الأسرى يا سيد الرسل بعد ما مننت عليهم وأعتقتهم من القتل ولم يوف بعضهم بما تعهد به من الفداء «فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ» أن يخونوك فإنهم كفروا نعمته وكذبوا رسوله «فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ» أن يخونوك ولم يوفوا بما وعدوك به من بقية الفداء، إذ ليس هذا بشيء عندهم بالنسبة لموقفهم من الله «وَاللَّهُ عَلِيمٌ»
بما في صدورهم «حَكِيمٌ»(٧١) فيما يفعل بهم. هذا آخر ما نزل في حادثة بدر في هذه السورة، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ابتغاء مرضاته «وَالَّذِينَ آمَنُوا» الرسول وأصحابه المهاجرين وأسكنوهم في منازلهم وساووهم بأنفسهم «وَنَصَرُوا» الرسول وأصحابه في حادثة بدر وغيرها على أعداء الله وهم الأنصار من الأوس والخزرج «أُولئِكَ» المتصفون بهذه الصفات الحميدة والأخلاق المجيدة «بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» في المعونة والنصرة والمودة والولاية، حتى أنهم يرث بعضهم بعضا دون أقاربهم الكفار. ومن هنا أخذ منع الإرث عند اختلاف الدين والدار. قال تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» لأنهم مقيمون في مكة وأنتم في المدينة، فلا تعاون ولا تناصر ولا توارث بينكم وبينهم، ويستمر الأمر كذلك «حَتَّى يُهاجِرُوا» فيكون ذلك كله بينكم وبينهم «وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ» أولئك الذين في مكة «فِي الدِّينِ» واستغاثوا بكم من أجله «فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ» واجب وتلزمكم معاونتهم ليتخلصوا من براثن الكفر فتقاتلوا الكافرين معهم لتلك الغاية. وهذا فرض عليكم في كل حال «إِلَّا» إذا طلبوا معاونتكم «عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ» وعهد بعد المقاتلة فليس لكم نصرتهم وإعانتهم، لأن الوفاء بالعهد واجب ولا بترك الواجب لأجل واجب مثله «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) » لا يخفى