بالقسط، فأعرض يا سيد الرّسل عن أمثال هؤلاء ولا تقبل مطالبهم الواهية، ولا تصغ لأقوالهم المزيقة، وأنت لست بحاجة إلى إسلامهم وولايتهم، فأنا كافيك عنهم وعن كلّ من لا يوقن بك، ولا يستسلم لحكمك.
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ» لكم من دون الله فإنهم لا يصدقونكم في ولايتهم ولا يميلون إلى نصرتكم «بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» لأن طريقتكم غير طريقتهم، والبون بينكم شاسع، فلا تتولوهم أبدا راجع الآيتين ٢٨ و ١١٨ من آل عمران والآية ٥٧ الآتية «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ» بعد هذا المنع «فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» وليس منكم لرضائه بدينهم ومعاملتهم وأحكامهم المجحفة، فيظلم نفسه مثلهم، ويضل عن طريق الصّواب وسبل الهوى «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(٥١) أنفسهم وغيرهم. كان المنافقون لضعف قلوبهم وقلة يقينهم وشدة تجنيهم يقولون فيما بينهم إذا اشتد الأمر على المؤمنين ودال عليهم الكفار نلحق باليهود، فنأخذ أمانا منهم ويقول بعضهم إنا نلحق بالنصارى ونأخذ أمانا منهم كما وقع من أمثالهم في حادثة أحد المارة في الآية ١٢٢ من آل عمران وكما سيأتي في الآية ٢٤ من سورة التوبة الآتية، فأنزل الله هذه الآية، ثم بين حال هؤلاء المنافقين بقوله «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» يريد المنافقين لخلو قلوبهم من الإيمان «يُسارِعُونَ فِيهِمْ» أي في مودة اليهود والنّصارى وموالاتهم عند بدر أيّ ضائقة عليهم «يَقُولُونَ» أولئك المنافقون وأشباههم «نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ» من دوائر الدّهر وحوادثه، فيصيب الكافرون المؤمنين ويستولوا عليهم، ولا يتم الأمر لمحمد فنغلب على أمرنا، قال تعالى مخسئا لهم ومكبر رأيهم الفاسد وردا لما ينصرونه من الغلبة إذ وقعت عليهم الذلة والمسكنة وصاروا كاليهود الّذين جبلوا على الجبن والبغضاء بينهم زيادة على الذلة والمسكنة راجع الآية ٦٢ من البقرة المارة تقف على مثالبهم التي من جملتها ما مر في الآية ٦٥ من الأعراف ج ١، وسيأتي بعد كثير منها في هذه السّورة والتي بعدها أكثر «فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ» المطلق للبلاد والنّصر العام على الكافرين أجمع، وإظهار دين الله في البرّ والبحر وإعلائه على سائر الأديان ونصرة المؤمنين على الخلق، هذه