للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أشتري الحمد القليل بقاؤه ... يوما بذم الدهر أجمع واصبا

«إِلَّا مَنْ» أي الشيطان الذي «خَطِفَ الْخَطْفَةَ» منهم بأن أخذ الكلام بسرعة زائدة «فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ» بشدة قوته، فإما يحرقه فيهلكه أو يخبله، ومع هذا كله فإنهم يعودون لاستراق السمع الكرة تلو الكرة طمعا في السلامة من إصابة الشهب ورجاء لنيل المقصود، ولولا الأمل ما خاطر أحد في تجارة برا ولا بحرا ولا في زراعة بعلا ولا سقيا ولبطل عمل ابن آدم فضلا عن الشياطين. وهنا معجزة من معجزات القرآن إذ لا يعلم أحد أن النجوم الصغار في سماء محيطنا قبل توسع علم الهيئة غير الله تعالى القائل

«فَاسْتَفْتِهِمْ» يا سيد الخلق «أَهُمْ» قومك المعاندون لنا «أَشَدُّ خَلْقاً» أقوى وأعظم «أَمْ مَنْ خَلَقْنا» من الملائكة والسموات والأرض والكواكب والبحار والجبال بل هم أضعف وأحقر «إِنَّا خَلَقْناهُمْ» أي أصلهم آدم عليه السلام «مِنْ طِينٍ لازِبٍ ١١» لزج يلصق باليد ويجوز أن تطلق هذه الآية على بني آدم باعتبار أنهم خلقوا من التراب لأن مادتهم المكون منها جسمهم حاصلة من التراب ومن كان أصله من تراب فهو في غاية الضعف بالنسبة للمخلوقات الأخر ومن كان كذلك لا يليق به أن يتكبر ويتعظم وينكر قدرتنا على إعادته من رميم خلقه الأول وهو تراب أيضا قال النابغة:

فلا تحسبون الخير لا شر بعده ... ولا تحسبون الشر ضربة لازب

هذا وليعلم أن الشهاب عبارة عن شعلة نارية تنقضّ من الكوكب لا نفس الكوكب لأن أصغر الكواكب عند الإسلاميين كالجبل العظيم، وعند الفلاسفة أعظم لأن صغار الثوابت عندهم أعظم من الأرض، وهذه لا تنقض ولو انقضت لسمع لها دوي هائل، ولم يسبق أن سمع لها صوت، ولو فرض محالا عدم الصوت لاختلت زينة السماء بنقص ما ينقض منها ولم يكن شيء من ذلك والمشاهدة أكبر برهان، ولا هو ايضا نور الكواكب، لأن النور لا أذى به ولا احتراق، فالأرض مملوءة بنور الشمس ولم ينشأ منها إلا النفع، ولو كان المنقض منها نورا لا نتقص ضوءه وسبب انتقاص الزينة أيضا، ولم يشاهد في شيء منها ذلك أصلا، ولم ينقل إلينا منه شيء منذ نشأة الكون حتى الآن فثبت من هذا أن المنقض

<<  <  ج: ص:  >  >>