كذبوا «بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا» من التعاليم الدينية المقتبسة من الشرائع الإلهية والوحي المقدس والصحف المنزلة عليهم «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ٧٠» سوء عاقبتهم، وفي هذه الجملة تهديد شديد ووعيد كبير وصفه بقوله
«إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ» في أيديهم وأرجلهم بها «يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ٧١» الماء الشديد الغليان «ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ٧٢» يوقدون فيها، والسجور لإيقاد النار في التنور لغة أهالي دير الزور ولم يكرر هذا الفعل في القرآن، وجاء بلفظ الماضي في الآية ٦ من سورة الإنفطار، وبلفظ المفعول في الآية ٦ من سورة الطور الآتيتين، وجاء لفظ إذ، بصدر هذه الآية مع أنها للماضي موضع، إذا للمستقبل لكونها واقعة في إخبار الله المتيقنة الوقوع المقطوع بها، وإلا فلا يجوز إيقاع مثلها في غير كلام الله لكونه غير محقق، تأمل. وقد تكرر في هذه السورة ذكر الجدال في آيات الله في ثلاث مواضع، ولكن كلا منها لأناس مخصوصين وأصناف مختلفين. ولذلك فلا يعد تكرارا، ومن قال باتحاد الأقوام المجادلين قال بالتكرار وهو غير وجيه، لأن التكرار قد يكون للتأكيد لما في الجدال في آيات الله ما يوجب غضبه جل جلاله، لذلك شدد فيه ليتباعد الناس عنه ويوقنوا بما أنزله إليهم إيقانا جازما دون تردد، ويسلموا لأوامر رسلهم، فيكون التكرار لحاجة في الأمر وهو مطلوب، قال تعالى «ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ» وهم في النار «أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ٧٣» أروني إياهم هاتوهم ليشفعوا لكم كما كنتم تزعمون في الدنيا «قالُوا ضَلُّوا عَنَّا» عابوا في وقت نحن أحوج ما يكون إليهم من غيره في زعمنا وفقدناهم في حالة كنا نظن وجودهم فيها، لأنا لأجلها عبدناهم ثم قالوا بعد أن لم يجدوهم «بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ» في الدنيا «شَيْئاً» أبدا «كَذلِكَ» مثل هذا الإضلال «يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ ٧٤» ويحيرهم في أمرهم حتى يفزعوا إلى الكذب والإنكار «ذلِكُمْ» العذاب الذي حل بكم «بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ» بالدنيا «بِغَيْرِ الْحَقِّ» بطرا وأشرا وظلما لأنفسكم «وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ٧٥» تحتالون وتتكبرون على الناس وتتوسعون في الأرض بغير الحق أيضا وقد حذف من الثاني بدلالة الأول كما مر