رأى اليهود والنّصارى لأنفسهم فضلا على غيرهم من الأمم، وعظموا أنفسهم وفضلوها على من سواهم حتى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، على أن الأناجيل الأربعة الموجودة بأيدي النّصارى قد جاء فيها مرة أرسلني أبي الذي هو في السّماء، وطورا أرسلني إلهي الذي هو في السّماء، مما يدل على أن المراد بالأب في قوله هو الله إذا كان في الأصل هكذا، لأن الأناجيل لم تدون زمن المسيح بل بعده بمائة سنة وقد تطرقتها التراجم المختلفة فأول بعضهم الإله بمعنى الأب، والأب بمعنى الإله وأثبته كذلك، وهذه الأناجيل الأربعة المنسوبة إلى متّى ويوحنا ومرقس ولوقا لا يعرف على الحقيقة من دونها أولا، لذلك لا تخلو من الدّسّ اليهودي، وهناك إنجيل برنابا قد جاء على ما في القرآن، ولكن النّصارى لم تعتبره مع أنه حواري من
أنصار المسيح الّذين يلقبهم رجال الكنيسة بالرسل، وإن بولص وغيره قد اهتدوا بعده وهو الذي عرف التلاميذ به، فيكون إنجيله هذا هو الواقع، إذ تلقاه بنفسه من السّيد عيسى عليه السّلام ودوّنه كما تلقاه بوقته خلافا للأناجيل الأربعة الموجودة الآن، فإنها لم تدون في زمنه ودونت على طريق التلقي من الغير بعد مائة سنة، وقد يكونون غير موثوقين أو خانهم حفظ ذاكرتهم.
[مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:]
قال تعالى «يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا» محمد بن عبد الله بن عبد المطلب «يُبَيِّنُ لَكُمْ» أحكام الدّين الحق والشّرائع الصّحيحة «عَلى فَتْرَةٍ» انقطاع طويل «مِنَ الرُّسُلِ» وهي ٥٧١ سنة ما بين عيسى ومحمد صلّى الله عليهما وسلم وبين ميلاد عيسى وبعثة محمد ٩١١ وبين ميلاده وهجرة محمد ٩٢٤ وبعد الميلاد والوفاة ٩٣٤ ورفع إلى السماء ٩٠٤، وعليه يكون بين رفع عيسى وميلاد محمد ٥٣٨ سنة، وبين رفعه والبعثة ٥٧٨، وبين رفعه والهجرة ٥٩١ وبين رفعه والوفاة ٦٠٤ وقد وقع التحريف والتبديل بالكتب السّماوية المتقدمة على القرآن خلال هذه الفترة بسبب اختلاف أهل الكتاب فيما بينهم واختلاط الحق بالباطل والكذب بالصدق، وتطرق من هذا الاختلاف شيء إلى العبادات والعقائد مما ليس منهما لتقادم العهد.