نزلت بمكة بعد الكوثر، وهي ثماني آيات، وثمانية وعشرون كلمة، ومائة وعشرون حرفا، لا يوجد في القرآن سورة مبدوءة ولا مختومة بما بدئت وختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى «أَلْهاكُمُ» عاقكم وأخركم أيها الناس واشغلكم «التَّكاثُرُ ١» بالأموال والأولاد والمباهات والمفاخرة والتباري بالعدوان والمناقب والسمعة عن طاعة ربكم وإدامة ذكره وبقيتم في ذلك منهمكين معرضين عما ينجيكم من الآخرة «حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ٢» أي متم ودفنتم فيها يقال لمن مات زار قبره أو رمسه، أي منعكم حرصكم على تكثير أموالكم عما يقربكم من ربكم إلى أن هلكتم. روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال انتهيت إلى رسول الله وهو يقرأ هذه الآية فقال: يقول ابن آدم مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأبقيت وما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت؟! أخرجه الترمذي، وروى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقي واحد، يتبعه ماله وأهله وعمله، فيرجع ماله وأهله ويبقى عمله، نزلت هذه الآية في بني عبد مناف وبني سهم بن عمرو كل يقول نحن أكثر سيدا وأعز عزيزا وأعظم نفرا وأكثر عددا حتى ان كلا منهم عد موتاه فكثر بنو سهم بني عبد مناف بثلاثة أبيات، فرد الله عليهم بلسان نبيه «كَلَّا» أي ليس التكاثر المحمود الذي يتنافس به المتنافسون بكثرة الأموال والأولاد ولكنه بالأعمال الصالحة، وما قيل إنها نزلت في الأنصار الذين تفاخروا بأحيائهم وأمواتهم لا يصح، وكذلك القول بأنها نزلت في طائفتين من اليهود غير صحيح لأن الأنصار واليهود في المدينة، ولم ينزل عنهما شيء في مكة وهي مع وجود السبب عامة، في كل من هذا شأنه، لما ذكرنا بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ثم هدد الله المتكاثرين بقوله «سَوْفَ تَعْلَمُونَ» عاقبة هذا التباهي والتفاخر في برزخ القبر، إذا أنزل بكم الموت الذي هو خاتمة ايام الدنيا ومفتتح أيام الآخرة