[مطلب أول من سن التحقيق عن الهوية ومعنى الأخوه وفضلها ومحاسن الأخلاق:]
قالوا ولما دخلوا عليه حيوه بالعربية فرد عليهم بها، وكلمهم وسألهم، فأخبروه بهويتهم وحالهم ومحلهم والسبب الذي جاء بهم إليه، فقال لهم عليكم جئتم تنظرون عورة بلادي؟ فقالوا ما نحن بجواسيس وإنما نحن أخوة أولاد أب واحد، وكنا اثنى عشر وها نحن عشرة ولنا أخ آخر لأب تركناه عند والدنا حيث كان له أخ أحبنا إلى أبينا وقد هلك بالبرية، فأمسك أخاه يتسلى به، وان مجيئنا للميرة ليس إلا كما ذكرنا. قالوا وبعد إكرامهم أراهم من لين الجانب ما قرت أعينهم به، قال ومن يعرفكم ويعلمنا صدق قولكم؟ قالوا لا أحد لأنا غرباء، قال ائتوني إذا بأخيكم لأبيكم الذي هلك أخوه كما زعمتم ليظهر لي حقيقة قولكم، قالوا ان أباه يحزن لفراقه، قال اتركوا أحدكم عندي رهينة حتى إذا تبين أنكم جواسيس أجريت معه ما يستحقه الجاسوس من الجزاء، لأن هيئتكم تدل على أنكم عيون لا ممتارون كما تزعمون، وإنما قال لهم ذلك مع علمه بخلافه توطئة وتقدمة لأن يستنزلهم لجلب أخيه وإلا فبعيد عليه عليه السلام أن يتهمهم بذلك لأن هذا إذا كان على حقيقة يكون من البهت والبهت لا يليق صدوره منه ويصرف هذا عن معناه الحقيقي زيادة إكرامهم وحسن مكالمتهم وايفاؤه الكيل لهم وتزويدهم لما يحتاجون من الطعام في سفرهم وقوله لهم بعد هذا «وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ٥٩» فوافقوه على ما قال وافترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون، وكان أحسنهم رأيا بعد يهوذا، فسلموه إليه قال تعالى «وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ» بفتح الجيم، وكسرها لغة رديئة، إذ حمل لكل منهم بعيرا وبالغ بملاطفتهم وإكرام وفادتهم واحسان ضيافتهم، فلما غادروه «قالَ» لهم «ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ» يطلق على الأخوة لأب بنو الأعيان والإخوة لأم بنو العلّات ويقال للأخوة من أم واحدة وآباء متفرقين بنو الأخياف وللأخوة من أب وأم أشقاء وقد نكر الأخ مبالغة في عدم معرفته لئلا يتهموه بمعرفتهم أو ينتبهوا لها، والأخ قد يكون أكثر شفقة من الابن وقد أثنى الله على الأخوة بقوله جل قوله (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) الآية ١١٠ من آل