بالأصلين النور والظلمة أي الخير في النور والشر في الظلمة، فصاروا ثنوية، وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره مع أنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله فالخير والشر مضافان إلى الله خلقا وإيجادا، وإلى العبد فعلا واكتسابا. ويزعم كثير من الناس ان معنى القضاء والقدر إجبار الله العبد على ما قدره وقضاه عليه، وليس الأمر كذلك بل معناه الاخبار عن تقدم علم الله بما يكون من اكساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها، ومعنى القدر ما صدر مقدرا عن فعل القادر ومعنى القضاء الخلق. قال تعالى (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) الآية ١٢ من فصلت في ج ٢ أي خلقهن قال محمد بن قتيبة في كتاب غريب الحديث، وأبو المعالي إمام الحرمين في كتاب الإرشاد في أصول الدين: ان بعض القدرية قالوا لسنا بقدرية بل أنتم يا أهل السنة والجماعة القدرية، لاعتقادكم اثبات القدر، وهذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهتة وتواقح لأن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى الله تعالى ويضيفون القدر والأفعال إلى الله وهم يضيفونه إلى أنفسهم ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها اولى بأن ينسب إليه من يعتقده لغيره، وينفيه عن نفسه، والمرجئة الذين يقولون بالتأخير أي يؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد فهؤلاء يؤخرون العمل عن الرتبة وعن الاعتقاد أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم خمس فرق، ومن أراد أن يطلع على عقائدهم وماهيتهم فليراجع ص ١٩٣ من الجزء الثالث من المواقف ففيه كفاية. قال تعالى «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ» أي كلمة أو إشارة مفردة إذا أردنا شيئا نقول له «كُنْ» فيكون بين الكاف والنون وليعلم ان الارادة غير الأمر وغير القول والفرق بينهما ان الارادة قدر والقول قضاء وقد يؤمر بالشيء ولا يراد وضدّه النهي وضد القول السكوت، وفي قوله تعالى واحدة اشارة إلى إنفاذ الأمر بلا تكرار القول. ثم بين سرعة ذلك الأمر بالنسبة إلينا وهو عنده دون ذلك فقال إذا رمزنا إلى شيء بالكونية كان حالا ووجد «كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ٥٠» أي بقدر ما يرد أحدكم طرفه وهذا تمثيل لما تقبله عقولنا والا فهو أقل وأقل فالذي جاء بعرش بلقيس من سبأ إلى القدس بلمحة بصر هو عبد من عبيده فكيف برب ذلك العبد الذي أقدره على ذلك راجع الآية ٤٠ من سورة النمل الآتية