للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أول شجرة نبتت بالأرض بعد الطّوفان وتعمر أكثر من جميع الأشجار المثمرة ويسرج من زيتها ويدهن به ويؤتدم منه ويدخر ثمرها ولا يسقط ورقها.

[مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:]

أخرج الترمذي عن أسيد بن ثابت أو أبي أسيد الأنصاري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة، والزيت من أصفى الأدهان إذا أتقن عمله «لا شَرْقِيَّةٍ» تصيبها الشّمس عند شروقها فقط «وَلا غَرْبِيَّةٍ» تصيبها الشّمس عند غروبها فقط ولا هي في غرب يضرها برده ولا في شرق يضرها حرّه ولا في مفيأ لا تصببها شمس البتة ولا في مفحاة لا يصببها ظل البتة لأنها إذا كانت شرقية بحتة أو غربية صرفة لا يكون ثمرها جيدا لأن الشّمس لها دخل عظيم في النّباتات وأثمارها أجمع بما أودعه الله فيها من قوة بل تصاحبها الشّمس طول النّهار تكون شرقية غربية تأخذ حظها من الأمرين فيخرج ثمرها من أحسن الأثمار من نوعها وحسن الزيت تابع لحسن الثمر بالدرجة الأولى فيكون والله أعلم المراد بها كونها شامية قدسية لأنهما وسط بين الحرارة والبرودة بالنسبة لبلادنا وأرضها لا شك مباركه طيبة، راجع الآية ٧٦ من سورة الأنبياء ج ٢، وزيتونها أجود من غيره لاعتدال الهواء والحرارة والبرودة فيهما غالبا «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ» بذاته لشدة صفاته «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ» قبل أن تشتعل ذبالة مصباحه أي فتيلته وإذا كان يضيء قبل مس النّار له فإنه يتضاعف عند مسها له ويزيد ضياؤه كأنه «نُورٌ عَلى نُورٍ» نور صفاء الزيت على نور صفاء المصباح في الزجاجة الدّرّية فيصير نورا متضاعفا من غير تحديد، وليس المراد أنه نور فوق نور ولا مجموع نورين بل نور غير متناه، وهذا هو النّور الذي شبه الحق جل جلاله نوره لخلقه بالنسبة لمداركهم ولما يرونه من أنواعه لا للواقع، لأنه ليس لمثل نوره نور كما ليس لمثله مثل، وكما أن ذاته لا تدرك ولا تكيّف فكذلك نوره جل جلاله، وذلك لأن مدارك العقول فيه عقال، وغاية السّعي لمعرفة كنهه كما هي ضلال.

واعلم أن أبا تمام لما مدح المأمون بقوله:

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس

<<  <  ج: ص:  >  >>