الله تعالى والهب في قلبه التشدد بأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم ما يلقيه إليهم من الوحي، فقال جل جلاله «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ» من هذا القرآن مخافة عدم قبولهم به «وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ» من عتو كفرة قومك، فلا تتلوه عليهم ولا تبلغهم أحكامه. قال ضائق لمشاكلة تارك، وليدل على أن الضيق عارض له لأنه صلى الله عليه وسلم أفسح الناس صدرا وأوسعهم خلقا، كيف لا وقد مدحه ربه بقوله عز قوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) الآية ٥ من سورة نون المارة في ج ١، وقوله تعالى (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) الآية ١٦٠ من آل عمران الآتية في ج ٣.
[مطلب في اسم الفاعل والآيتين المدنيتين والتحدي بالقرآن:]
إلا أن الضيق يطرأ عليه أحيانا بسبب ما يلاقي من قومه، ولأن كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحول إلى فاعل، فتقول في سيد وجواد وسمين سائد وجائد وسامن مثلا، وعلى هذا قول اللص إذ يصف السجن:
بمنزلة أما اللئيم فامن ... بها وكرام الناس باد شحوبها
فعلى هذا أن كل ما يبنى من الثلاثي للثبوت والاستقرار على غير وزن فاعل يرد إليه إن أريد به معنى الحدوث من غير توقف على سماع، وما قيل إن العدول من ضيّق إلى ضائق لمجرد مشاركة تارك ليس بشيء، ولا يوجد في القرآن اسم فاعل من ضاق على وزن ضائق إلا هذا كما لا يوجد فيه فعل خماسي أصالة.
واعلم أن ما قاله بعض المفسرين من أن النبي صلى الله عليه وسلم همّ أن يدع سبّ آلهتهم ظاهرا حينما قالوا له (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) بما ليس فيه سبّ آلهتنا ولا مخالفة آبائنا كما تقدم في الآية ١٥ من سورة يونس المارة غير سديد وحاشاه من ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الإخبار مما أمر بتبليغه أن يبلغه بخلاف ما هو لا خطأ ولا عمدا، ولا سهوا ولا غلطا، ومعصوم أيضا أن يسكت عن شيء منه أو يكتمه، لأنه محتم عليه أن يبلغ ما أنزل إليه كما أنزل حرفيا، وإن الله تعالى عاصمه من كيد كل كائد كما سيمر عليك في الآية ٧٠ من المائدة في ج ٣، وقد