لأن ذلك مخالفة لحضرته تستوجب العقوبة، وهي إثم تجب التوبة منه عليكما، لأن طاعته واجبة، ثم هددهما بقوله «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ» وتتعاونا بما يسوءه قولا وفعلا «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ» وحافظه من كيدكن وناصره عليكما وعلى كلّ من يناوئه «وَجِبْرِيلُ» وليه أيضا «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» أوليائه وفي طليعتهم أبواكما ينصرانه عليكما «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ» النصر والتولي من الله وجبريل وكلّ مخلص من المؤمنين والملائكة الكرام «ظَهِيرٌ»(٤) له على كلّ من يناوئه فما يغني تظاهركما عليه. واعلمن أيها النّساء كلكن إذا أصررتن على ما أنتنّ عليه فمصيركن الهلاك فبادرون بالندم وأسرعن بالتوبة مما وقع منكن واسترضينه، فإذا رضي عنكما فلعل ربّه أن يقبل توبتكما وإذا أصررتما فما تدريان «عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ» لأن تصييركن بوجودكن عنده وفضلكن بما نلتنه من قربه، فإذا طلقكن زالت منكن تلك الصّفات ولم يبق لكن فضل على غيركن. ثم وصف النّساء اللاتي يبدلهن بهن بأنهن «مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ» مهاجرات وقيل صائمات لأن السّائح لا زاد له فشبه بالصائم «ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً»(٥) وهذا من باب الإخبار عن القدرة لا عن الكون، لأنه قال إن طلقكن وقد علم أنه أنه لا يطلقهن، فأخبر عن قدرته بأنه إذا طلقهن أبدله خيرا منهن تخويفا لهن.
مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين في أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلم اللّتين قال الله عز وجل فيهما إن تتوبا إلى الله فقد إلخ حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان بعض الطّريق عدل وعدلت معه بالأدواه الرّكوة التي فيها ماء، والعدول هو الميل إلى جانب الطّريق الملوك والبراز محل قضاء الحاجة، فتبرز ثم اتاني، فصببت على يديه فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلم اللّتان قال الله فيهم إن تتوبا إلخ؟
قال عمر ووا عجبا لك يا ابن عباس قال الزهري كوه منه ما سأله عنه ولم يكتمه،