هذا وان الله تعالى يعلّم خلقه بأن هذا المخلوق العظيم خلقه «مِنْ عَلَقٍ ٢» يريد بذلك بني آدم كلهم، أما آدم عليه السلام فقد خلقه من تراب لأن العلق هو الدم الذي تجمد عن ولوج الحيوان الذي يطلق عليه لفظ علق أيضا، وهذا بيان لكمال قدرته بإظهار ما بين حالتي الإنسان الأولى والأخرى من التباين. وقد ذكّر الله نبيه بأول نعمة فائضة عليه منه وهي الخلق لأنه أقدم الدلائل الدالة على وجوده، وجاء علق بلفظ الجمع لان (أل) فيه للاستغراق لتشمل جميع أفراد الإنسان. هذا ومن فسر الإنسان بآدم قال إن أل فيه للجنس الصادق بالواحد والقدر، وعليه يكون المعنى أصل الإنسان وجنسه آدم عليه السلام، وليس بشيء، لأن الله تعالى صرح في كتابه بآيات متعددة بأنه خلقه من الطين ومن التراب هذا. وفي قوله اقرأ إشارة إلى أنه تعالى خلق الإنسان للقراءة كما خلقه للعبادة لأنه ذكر الخلق بعد الأمر بالقراءة كما في قوله جل قوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ) الآية ٤ من سورة الرحمن في ج ٣ بعد قوله (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) تنبيه لهذا، وانظر لقوله عز قوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية ٥٦ من الذاريات في ج ٢ وذلك لأن القراءة أصل العبادة كيف لا وفيها البعد عن الجهل المفني للأمم، وما فازت أمة إلا بقدر علومها ومعارفها الدينية والدنيوية، ولهذا كرر تعالى الأمر لحبيبه بقوله «اقْرَأْ» لنفسك ولغيرك فتعلّم وعلّم، ثم مهد له جل شأنه ما بينه من العذر إلى جبريل عليه السلام حين ضمّه وقال له اقرأ فقال ما أنا بقارئ على النحو المار ذكره في المطلب الثاني عشر، وازاحه عنه بقوله «وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣» الذي لا يوازيه كريم، الذي منّ عليك بالرسالة من غير طلب، يمنّ عليك بالقراءة من غير تعليم، كيف لا وهو «الَّذِي عَلَّمَ» بفضله وكرمه وعطفه ولطفه أنواع العلوم وفهّم القارئ الكتابة «بِالْقَلَمِ ٤» لمعرفة الأمور الغائبة وحفظ الحاضرة والمستقبلة وضبطها وتدوينها، واثبات علوم الأولين وسيرهم والاطلاع على منافعها