«وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ»(١٤٧) نعمتك الجاحدين دينك المكذبين نبيك «فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا» بالنصر والغنيمة والثناء «وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ» بالغفران ودخول الجنان ومرافقة الأعيان لحسن صنيعهم «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(١٤٨) في أعمالهم ونياتهم، وهذه الآيات فيها تعليم من الله لعباده بأن يفعلوا كفعلهم ويقولوا كقولهم. قال الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا» من المنافقين واليهود الذين يشيرون عليكم بترك الجهاد ويخوفونكم عاقبته «يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ» في الكفر الذي كنتم فيه «فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ»(١٤٩) في الدنيا والآخرة «بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ» فأطيعوه واستعينوا به «وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ»(١٥٠) لكم وهؤلاء الذين يغرونكم ويغرّونكم لا قدرة لهم على نصركم «سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» في الدنيا منكم حتى تقهروهم ويظهر دينكم على سائر الأديان
«بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ» بسبب اتخاذهم شريكا لله، والله تعالى ليس له شريك ولهذا قال «ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ» في الآخرة وهو مثوى كل ظالم «وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ»(١٥١) النار، وفي هذه الآية بشارة عظيمة للمسلمين لما فيها من إخبار الله تعالى لهم بالظفر في الدنيا ووعد لهم بالمغفرة في الآخرة، ويوجد في القرآن ٣٦ آية مبدوءة بلفظ بل. قال تعالى «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ» بالنصر والظفر قبلا في واقعة بدر وفي واقعة أحد أيضا لأن الظفر كان لهم مبدئيا وقد هزموا المشركين إلا أن أهل النبل لما خالفوا أمر الرسول وتركوا مواقعهم التي عينها لهم طلبا للغنيمة رأى الكفّار خلو ظهور المسلمين منهم كروا عليهم فغلبوهم وانقلب الأمر كما تقدم في القصة آنفا، واذكروا عباد الله «إِذْ تَحُسُّونَهُمْ» تقتلونهم وعليه قول عتبة الليثي:
نحسهم بالبيض حتى كأننا ... نفلق منهم بالجماجم حنظلا
وقد استشهد بهذا البيت ابن عباس على أن معنى الحس القتل، وقال غيره:
ومنا الذي لاقى بسيف محمد ... فحس به الأعداء عرض العساكر