وصار من قوم موسى، واسمه موسى بن ظفر السامري وصار يظهر الإيمان بموسى ويبطن الكفر به حسدا له، ويرى جبريل حينما يأتي اليه لأنه يعرفه حق المعرفة لتوليه تربيته، فانظر رعاك الله الى هذا الذي رباه جبريل أقرب المقربين الى الله من الملائكة، والى موسى الذي رباه فرعون اكفر الكافرين بالله، تقنع قناعة تامة أن لا حول للعبد عما قدره الله له أزلا، وقيل في هذين:
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيّرت ... عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر ... وموسى الذي رباه فرعون مرسل
والحكمة من تربيته إظهار ما وقع منه مما هو مقدر في الأزل الذي هو غيب عما سوى عالم الغيب، ليعلم الناس أن لا مضل لمن هداه الله، ولا هادي لمن أضلّه، وان ما يختص به بعض البشر من الأمور الدنيوية لا قيمة لها ولا تأثير لها في محو ما هو مكتوب، ولا إثبات ما هو ممحو، جفت الأقلام ورفعت الصحف بما هو كائن إلى يوم القيامة- راجع تفسير أول سورة نون المارة- قال تعالى «كَذلِكَ» مثل ما قصصنا عليك عجبا من أمر موسى وقومه والسامري مع قومه في غيابه «نَقُصُّ عَلَيْكَ» يا أكرم الرسل «مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ» من أحوال الأمم الخالية وأنبيائهم والحوادث التي جرت بينهم «وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً» ٩٩ كتابا فيه ذكر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فهو جدير أن تتذكر به وتذكر به قومك، وحقيق بأن يتفكر في معانيه من يتفكر، ويعتبر فيها من يعتبر. واعلم يا حبيبي أن «مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ» ولم يتعظ بما فيه فيأتمر بما أمر وينتهي عما نهى «فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً» ١٠٠ عظيما وإثما كبيرا
«خالِدِينَ فِيهِ» الذين أعرضوا عما فيه دائمين في عذابه «وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا» ١٠١ ما حملوا به أنفسهم وأثقلوا به ظهورهم من جزاء الإعراض عن هذا القرآن حتى استحقوا الخلود بالنار عقوبة لهم ذلك العذاب العظيم والتوبيخ الأليم يكون لهؤلاء المعرضين عن ذكر الله «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» النفخة الثانية بدليل قوله تعالى «وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ» أمثال هؤلاء «يَوْمَئِذٍ