من التسلية لحضرة الرسول صرف فيه الخطاب من قومه إليه ضمن إخباره عن حكاية حال سابقة لقوله جل قوله «وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ» ٨ أي القصة التي أهلكوا فيها وحالتهم مع أنبيائهم إذ سلف ذكرهم على التفصيل فيما قصه الله قبل، وقد كرره مرارا حتى صار ما أوقعه بالأولين كالمثل السائر، فحذّر قومك من أن ينزل بهم مثله ويصيبهم ما أصابهم، يريد قوم نوح وصالح وهود وشعيب ولوط وموسى وعيسى، ومن بينهم. قال تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ» بالغ القدرة منيع الجانب العظيم الذي لا يكيّف «الْعَلِيمُ» ٩ بما فيهن وبالحكمة التي خلقهنّ من أجلها لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا خلقهن غيره تعالى ولا يتمكنون من إنكارهما أو نسبة شيء بما فيهن منهما لأولهم خشية الكذب المستقبح عندهم، وذلك الإله الفعال «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً» لتستريحوا عليها، ومنه مهد الصبي السرير الذي ينام فيه لأن فيه استراحته ومنامه، وإنما جعلها مهدا ليمكن مخلوقاته من الانتفاع بها «وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا» في الصحارى وفجاجا في الجبال ومرتفعا في الأودية ليتيسر لكم المشي عليها لتمام النفع «لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» ١٠ في أسفاركم لمقاصدكم من القرى والبلاد والمراعي والمقالع وغيرها.
[مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:]
«وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً» فيه حياتكم، وهذا من جملة رأفته بكم أيها الناس ورحمته بدوابكم وأنعامكم وجعله «بِقَدَرٍ» لكل خلقه من نام وجامد يحسب الحاجة إليه وقدر ما اقتضته المشيئة المبينة على الحكم والمصالح، فلم يشح عن الحاجة ولم يزد لحد الغرق الذي لا يكون إلا للعذاب أو أمر آخر يريده، وهذا القدر الذي ذكره لا يعلمه غيره والإبرة المحدثة (أودوميتر) لا تفيد على التحقيق نزوله بالبقعة التي هي فيها أو بساعة معلومة، لأن المطر قد يكون فيها أو بأطرافها قريبا منها أو بعيدا، وقد يكون قليلا بمكان كثيرا بآخر، لهذا لا يعرف مقداره على الضبط، لأنه قد يكون فوقها قليلا وبأطرافها كثيرا وبالعكس، وبمقدار ما تتأثر منه الأرض، لذلك فإن ما يزعمونه من تقدير الأمطار هو بحسب التخمين