على الصّورة المبينة آنفا ف «يُضاعَفُ لَهُمْ» عملهم الحسن أضعافا كثيرة «وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ»(١٨) عند الله في الآخرة «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» وافيا جزاء أعمالهم الحسنة «وَنُورُهُمْ» مشرق على الصّراط، وفي طليعة هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ»(١٩) في الآخرة تحجم أي تسخم فيها وجوه أهلها بدخانها أعاذنا الله منها وحمانا فيا أيها النّاس «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ» فمثلها «كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ» ييبس وبعد خضرته «فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً» هشيما متكسرا «وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ» لمن كانت حياته على هذه الصّفة التي قصها الله عن الكفار وفي مقدمتهم النّمرود وفرعون وأبو جهل وأضرابهم، أما من يصرف أوقاته وأمواله في طاعة الله ورسوله والعمل الصالح فلهم عفو عام «وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ» شامل في الآخرة «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ»(٢٠) لمن كرس نفسه لها وأعرض عن الآخرة لقد عدّ الله تعالى في هذه الآية من زخارف الدّنيا خمسة، وقد عدها في الآية ١٤ من آل عمران المارة سبعة، وفي غيرها ثلاثة وأقل، فالسعيد من اعتبر وترك قليلها وكثيرها رغبة فيما عند الله. واعلم أن الغرور هو كلّ ما يمتع به الإنسان من مال أو جاه أو ولد، وكلّ ما يغره وجوده لديه فيأمل دوامه وهو فان لا محالة فهو غرور. ثم اعلم أن كلّ آية مصدرة بلفظ اعلموا أو اعلم تدل على أهمية ما تدعو إليه ووجوب أخذ ما فيها بعين الاعتبار والنّظر إليها بالتفكر والتدبر والتروي.
قال تعالى «سابِقُوا» أيها المؤمنون وتسابقوا «إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ففي مثل هذا تكون المسابقة أيها النّاس وفي مثله تطلب المنافسة والتفاخر ويرغب بالتزايد والتكاثر لا في لعب الصّبيان ولهو الفتيات وزينة النساء وعذاب الأموال ووبال الأولاد، راجع الآية ١٣٣ من آل عمران المارة