أنبيائهم حتى زالت عنهم الرّوعة التي كانوا يجدونها عند سماع تلاوة كتابهم، وقد خلت قلوبهم من الخشوع الذي كانوا يحسون به فاتبعوا الأهواء «فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ» فلم يبق يؤثر فيها الوعظ ولا التذكير «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ»(١٦) متجاوزون حدود الله بسبب تلك القسوة التي ألبست قلوبهم فمنعتها من أن تخضع لسماع ذكر الله، فيا أيها النّاس «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» كما أنه يحيي الإنسان والحيوان بعد الموت فلأن يحيي القلوب التي أماتتها القسوة من باب أولى إذا رجعت إلى الله وأنابت إليه «قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ» الدالة على ذلك فيما تقدم من الذكر وفصّلنا لكم كيفية إحياء الأرض الميتة بالمطر، وإحياء القلوب بالذكر «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(١٧) حكمتنا فتركنون إليها وتعملون بما يفضي إليها، قال الكلبي ومقاتل إن هذه الآية نزلت في المنافقين، وذلك أنهم قالوا لسلمان الفارسي حدثنا في التوراة، فنزل أولا نحن نقص عليك أحسن القصص الآية الثالثة من سورة يوسف ج ٢، فكفوا عنه، ثم سألوه ثانيا فأنزل الله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية ٢٣ من الزمر ج ٢ أيضا، ثم سألوه ثالثا فنزلت هذه الآية. قال محمود الآلوسي رحمه الله يكاد يصح نزولها في المنافقين، ثم صوّب نزولها في المؤمنين حينما قدموا المدينة وأصابوا لين العيش وفتروا عما كانوا عليه من العبادة، فعوتبوا فى هذه الآية على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن. وعليه يكون نزول هذه الآية بالسنة الأولى من الهجرة، فتكون من أول ما نزل في المدينة، وليس بسديد، لأن أول ما نزل سورة البقرة وبعدها الأنفال فآل عمران فالأحزاب إلخ ما أثبتناه هنا، أو الثالثة عشرة من البعثة التي هي آخر نزول القرآن في مكة فتكون السّورة أو الآية وحدها مكية وليس كذلك لأن السّورة كلها مدنية نزلت في المدينة يوم الثلاثاء في السّنة السّابعة من الهجرة ووضعت في محلها من القرآن بإشارة من الرّسول ودلالة من الأمين جبريل عليهما الصلاة والسّلام وفاقا لما هو عند الله في لوحه المحفوظ وعلمه الأزلي، لذلك يبعد الركون إلى ما صوبه الآلوسي رحمه الله. قال تعالى «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ» الّذين صدقوا الله ورسوله وكتابه وتصدقوا بفضول أموالهم «وَأَقْرَضُوا اللَّهَ