وهؤلاء بحسب إيمانهم الظّاهر قد يغتر بهم النّاس فيفشون لهم أسرارهم فينقلونها للكفار فيكونون أشد فتنة على المسلمين من الكافرين، ولهذا قال تعالى «وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ» محمد صلّى الله عليه وسلم «وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ» من الكتاب «مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ» يتقوون بهم على المؤمنين الصّادقين، ولما استمالوهم لكشف أسرارهم لينقلوها لهم «وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ»(٨١) خارجون عن طاعة الله ورسوله غير مؤمنين بهما، راجع الآية ٥١ المارة، ولهذا اتخذوا الكفار أولياء مع علمهم بأن المؤمنين خير لهم منهم.
مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:
قال تعالى يا سيد الرّسل «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» لأن هذين الصّنفين أكثر عداوة للمسلمين من غيرهم «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ» القرب لمودة المسلمين «بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً» يأمرونهم بالخير وينهونهم عن الشّر، ومنهم من يعترف بأحقية دين الإسلام فيركن لأهله ويميل لطاعته، ومنهم من يعتقد به ويعمل بما فيه خفية عن قومه «وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ»(٨٢) عن قول الحق بل يذعنون له ويتواضعون لأهله ويستكينون لمجالستهم «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ» من كلام الله يؤثر في قلوبهم ولشدة تأثيره فيهم «تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» لرقة أفئدتهم وخشوعها لسماعه و «مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ» فيه، ولذلك فإنهم فيما بينهم «يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا» به وبمن أنزل عليه «فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ»(٨٣) عليه بأنه حق وصدق «وَ» يقولون عند سماعه أيضا «ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ» وحده ونترك التثليث وغيره، لأن عيسى بشر وقد بشر بمحمد لنؤمن به «وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ» على لسان رسوله محمد لنؤمن به أيضا «وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ»(٨٤) من أتباعه وأمته فنكون مثلهم «فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا» من الإيمان بالله وحده والتصديق برسوله محمد وما جاء به «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ» الجزاء الحسن والثواب