للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انطوى عليه جسمه من البراهين الدالة على الخالق إذ ليس في العالم من شيء إلا وفي ذات الإنسان له نظير، وذلك مثل انفراده في هذه الهيئة النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة، والتمكن من الأفعال البديعة واستنباط الصنايع المختلفة، واستجماع الكمالات المتنوعة، واحتياره على سائر الحيوانات بالنطق واعتدال القامة، وكما أن الإختلاف في الأرض والمياه والحيوان والطير والحوت والحشرات فكذلك هو الإنسان، فمنه الأسود ومنه الأحمر والأبيض والأصفر وما بين ذلك، ومنه الاختلاف في المأكل والمشرب والملبس والمنام، ومنه اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع، فمنها ما هو من أصل واحد، ومنها ما هو من أصول متنوعة، ومنها ما هو موافق للحيوان بسبيل الطعام ومجرى الشراب ومخرجهما، وقد بيّنا مراتب خلق الإنسان في الآيتين ٦٤/ ٦٧ من سورة المؤمن، فراجعهما واعتبر وتيقظ.

ويكفي على عظمة الخالق وكمال قدرته خلق أصلك من تراب وأنت من نطفة فعلقة فمضغة فلحم ودم وعظم، ثم روح وحركة وكلام وسمع وبصر وعقل وشباب وكهولة وشيخوخة وهرم، وكذلك في الغذاء فمنه موافق لغذاء الحيوان كالحضروات والحبوب واللحم، ومنها ما هو مباين كالتبن والشوك والحشيش وغيره. واعلم أن الله تعالى جمع في الإنسان ما لم يجمعه في الحيوان، لأن الحيوان الذي يأكل اللحم لا يأكل النبات والذي يأكل النبات لا يأكل اللحم غالبا، والإنسان يأكلهما معا، وجمع فيه ما لم يجمعه في الملائكة، ولا في الحيوان، لأن الملك له عقل بلا شهوة، والحيوان له شهوة بلا عقل، والإنسان جامع لهما، فسبحان من أودع في كل خلقه عظات لا تحصى وعبرا لا تستقصى، ولله در القائل:

دواؤك منك ولا تشعر ... وداؤك فيك ولا تبصر

وتحسب أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر

[مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:]

قال تعالى «وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ» ٢٢ به مقدر عند الله تعالى على تعاطي الأسباب، فقد يكون عفوا وبتسخير الغير، قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الآية ٢/ ٣ من سورة الطلاق

<<  <  ج: ص:  >  >>