للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب في الصعق الذي يحصل لبعض الناس عند تلاوة القرآن وسماع الذكر:]

روي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا اقشعر جلد المؤمن وفي رواية العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها.

وروي عن عبد الله ابن عروة بن الزبير قال لجدته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها إن أناسا اليوم إذا قرىء عليهم القرآن خرّ أحدهم مغشيا عليه، قالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أنها استنكرت ما سمعته. وروي أن ابن عمر مر برجل من أهل العراق ساقط فقال ما بال هذا؟ قالوا إنه قرىء عليه القرآن أو سمع ذكر الله فسقط، قال ابن عمر إنا لنخشى الله وما نسقط، يريد انتقادهم. وقال ما كان هذا صنيع أصحاب محمد قال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ القرآن من أوله إلى آخره (أي بحضوره على تلك الصفة) فإن رمى بنفسه فهو صادق. وقال عبد الله بن الزبير: جئت أمي فقلت وجدت قوما ما رأيت خيرا منهم قط يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله تعالى فقالت لا تقعد معهم. ثم قالت رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا أفتراهم أخشى من أبي بكر وعمر. وقال قتادة في هذه الآية: إن الله نعت أولياءه بالقشعريرة والبكاء واطمئنان القلب إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا من أهل البدع، وإنما هو من الشيطان.

وقال ابن جبير الصعقة من الشيطان. واعلم أن هذه الأخبار وأمثالها تنعى على السادة الصوفية صعقهم وتواجدهم وضرب رءوسهم بالأرض وأيديهم بعضها ببعض عند سماع القرآن وبأثناء الذكر والقصائد الإلهية والمحمدية وما هو منها في ذكر بعض الأكابر من العارفين، وعذرهم في ذلك حسبما تقوله مشايخهم لضعف القلب عن تحمل الوارد من معاني الآيات والأذكار وأوصاف الكاملين وما وقع منهم أو عليهم، فإن من يقع منه ذلك ليس في الكمال والمناقب كأصحاب رسول الله والتابعين في الصدر الأول لضعف قوة تحملهم، وهو دليل نقصهم عن مراتب الكمال، لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>