للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب في المشيئة والاستثناء وقصة يونس عليه السلام:]

وقد سبق في علم الله تعالى صدق نيتهم في توبتهم قبل إحاطة العذاب فيهم، كما سنوضحه لك قريبا، بخلاف فرعون لأنه في تلك الحالة الرهيبة لم يزل شاكا كما تقدم في الآية ٩٠ المارة حتى مات «إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ» استثناء متصل، لأن الجملة في معنى النفي، أي ما آمنت قرية من القرى الهالكة فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا نفعهم إيمانهم، وقوم منصوب على أصل الاستثناء وإذا رفعت (قوم) على القراءة الأخرى كان الاستثناء منقطعا، ويكون المعنى لكن قوم يونس نفعهم إيمانهم «لَمَّا آمَنُوا» إيمانا خالصا لا يشم منه رائحة شك أو غيره ولذلك «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ» الذلّ والهوان «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» بخلاف غيرهم إذ استأصلناهم بالعذاب لعدم صدق نيتهم وصحة إخلاصهم، وقد سبق في علم الله أن الذين استؤصلوا لو أجاب دعاءهم ورفع عنهم العذاب لردوا إلى ما نهوا عنه، أما هؤلاء فكان في علمه الأزلي إخلاصهم لله في توبتهم، لذلك رفعنا عنهم العذاب «وَمَتَّعْناهُمْ» في الدنيا بعده «إِلى حِينٍ ٩٧» انقضاء أجلهم المقدر لمكثهم فيها، وهو الأجل المبرم المقدّر على حسن توبتهم ونيتهم ولولا ذلك لأهلكوا بالأجل المعلق المقدر على عدم توبتهم ورجوعهم إلى الله، راجع الآية ٢ من سورة الأنعام الآتية.، وهؤلاء خصوا من بين الأمم بحسب قضاء الله الأزلي، وتنطبق عليهم القاعدة ما عموم إلا وخص منه البعض، كقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) الآية الأخيرة من سورة القصص المارة، وقوله تعالى (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ) الآية ٦٩ من الزمر الآتية، وقوله تعالى (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ) الآية ٨٨ من سورة النمل المارة في ج ١. هذا ولا يقال إنهم آمنوا قبل نزول العذاب لمخالفته للآية لأن الكشف لا يكون إلا بعد الوقوع أو بعد قرب وقوعه، لأنه وقع قبل إحاطته بهم وبعد مشاهدتهم له، والله أعلم. وخلاصة القصة على ما ذكره الأخباريون هي أن يونس عليه السلام بعثه الله إلى أهل نينوى بأرض الموصل، وكانوا مشركين فدعاهم لتوحيد الله تعالى ورفض سواء من الآلهة، فأبوا عليه وأصروا

<<  <  ج: ص:  >  >>