التعاون مع الرّسول وأصحابه «وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ» الذي هو التعاون لأن فيه رضاهم الذي هو من رضاء الله، ولهذا «فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»(٢٨) التي زعموا أنها تنفعهم عند الله لأن سيئاتهم هذه محقت ثوابها ومحته فلم تبق له أثرا. قال تعالى «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك وشبهة ونفاق «أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ»(٢٩) التي في قلوبهم بل يخرجها ويبيّنها ليفضحهم بها «وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ» يا سيد الرّسل «فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ» وعلاماتهم «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» مقصوده ومغزاه وهو صرف الكلام من الصّواب إلى الخطأ وهو مذموم، وصرف الكلام من الخطأ إلى الصواب وهو ممدوح في اللاحن، أي فتكون كلمة اللّحن من الأضداد. قال أنس رضي الله عنه ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من أحوال المنافقين، وكانوا يهجنون ويقبحون ويستهزئون به وبأصحابه. قال تعالى «وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ»(٣٠) فيجازيكم بمثلها
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ» بشيء من التكاليف الشّاقة المحتملة الوقوع وغير المحتملة اختبارا وامتحانا «حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ» حقيقة «وَالصَّابِرِينَ» على البلاء «وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ»(٣١) فنظهرها للناس ليعلموا كذبكم الذي تتظاهرون به مظهر الصّدق «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ» خالفوه وانشقوا عليه وتفرقوا عنه «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً» بأفعالهم هذه، وإنما يضرون أنفسهم «وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ»(٣٢) يمحقها ويحرمهم ثوابها بحيث يمحوها من صحائف أعمالهم راجع الآية ٣٩ من سورة الرّعد الآتية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ»(٣٣) مثل هؤلاء المنافقين بالرياء والسّمعة. زعم بعض المؤمنين أن لا يضرهم ذنب مع الإيمان كما لا ينفع عمل مع الشّرك فنزلت هذه الآية، ولا دليل فيها لمن يرى إحباط الطّاعات بالمعاصي، لأن الله تعالى قال فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية الأخيرة من سورة الزلزلة المارة، ولا حجة فيها لمن لا يرى إبطال النوافل بأنه إذا دخل في صلاة أو حرم تطوعا لا يجوز له إبطاله، لأن السّنة مبينة