هؤلاء العرب (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) الآية ٥٧ من سورة النحل في ج ٢ «قاتَلَهُمُ اللَّهُ» جميعا «أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(٣٠) يصرفون الحق إلى الباطل والصّدق إلى الكذب وفي هذه الجملة معنى التعجب وهو راجع إلى الخلق لأن الخالق لا يتعجب من شيء. واعلم أن ما ذاع على ألسنة النّاس في قولهم أي شيء خلقه الله وتعجب منه ويريدون الإبل في قوله تعالى (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الآية ١٨ من سورة الغاشية ج ٢ فهو من هذا القبيل لا كما يزعم العوام تأمل.
واعلم أن هؤلاء اليهود والنّصارى «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» لأنهم أطاعوهم في معصيته واتبعوهم فيما يحللون ويحرمون حسب شهواتهم وأهوائهم فكأنهم عبدوهم «وَ» أن النّصارى اتخذوا «الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ» إلها لاعتقادهم البنوة فيه والحلول في ذات الله كما اتخذت اليهود عزيرا ابنا لله «وَما أُمِرُوا» من قبل أنبيائهم ولا في كتبهم المنزلة عليهم من الله «إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً» وهو الإله العظيم الذي «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»(٣١) به من خلقه وإنهم بدّلوا وغيروا أحكام الله المنزلة إليهم على لسان رسلهم اتباعا لقادتهم ورؤسائهم قال عبد الله بن المبارك:
ولولا هؤلاء الكذابون المشغوفون يحب الرّياسة لما وقع شيء من ذلك ولكن إرادة الله قضت به أولا فلا يقع شيء في كونه إلّا بإرادته فآمن من آمن بحسن يقينه وكفر من كفر بسوء حاله طبق ما هو مقدر في علمه «يُرِيدُونَ» هؤلاء بعملهم هذا «أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ» دينه المنير المؤيد بالبراهين الواضحة والحجج الدّامغة والدلائل السّاطعة التي هي في شدة بيانها وكمال ظهورها كالنور «بِأَفْواهِهِمْ» بمجرد أقوالهم الكاذبة الصّادرة عن غير رويّة وتفكر ونظر «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ»(٣) ذلك الإتمام فإنه سيتمه رغم أنوفهم وهذا وعد قد أنجزه الله لرسوله حال حياته وقد أظهر دينه وأعلاه على سائر الأديان وهو حتى الآن قامع رؤوس الكافرين والمبتدعين بحقه وصدقه ولا يزال إن شاء الله كذلك حتى يرث الأرض ومن عليها قال صلّى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من