أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة قال تعالى «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى» أي القرآن الهادي للناس أجمع لو اتبعوا أحكامه وأوامر المنزل عليه وعملوا فيهما «وَدِينِ الْحَقِّ» الإسلام الذي لا أحق منه قال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية ٨٥ من آل عمران المارة: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(٣٣) وسيتم هذا عند نزول سيدنا عيسى عليه السّلام، إذ لا يبقى دين في زمنه غير دين الإسلام، ولا يبقى على وجه الأرض إلّا مسلم وكافر، ثم ينهار الإسلام أولا بأول حتى لا يبقى من يقول الله، فتقوم السّاعة على شرار الخلق وكلهم إذ ذاك أشرار، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. روي عن أبي هريرة في حديث نزول عيسى قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويهلك في زمنه الملل كلها إلّا الإسلام. يدل على هذا قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) الآية ١٥٨ من سورة النّساء المارة، ونظير هاتين الآيتين الآيتان ٩ و ١٠ من سورة الصّف المارة، وقد عدّد الله تعالى في هذه الآيات مثالب بني إسرائيل، وسبق أن بينا قسما منها في الآيات من ٤٠ إلى ٦٠ من سورة البقرة في معرض تعداد النّعم عليهم، وكذلك في الآيات ص ٦٢ إلى ١٢٣ ومن ١٣٠ إلى ١٤٧ من البقرة أيضا وآيات أخر منها ومن غيرها، مما يدل على أنهم لم يقابلوا نعم الله التي أسبغها عليهم بالشكر بل بالإنكار والجحود، وأوامره بالعناد والكفر، حتى توصلوا إلى قتل أنبيائهم قاتلهم الله وأخزاهم في الدّنيا والآخرة.
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» أنفسهم وغيرهم لقاء ما يأخذونه منهم من حطام الدّنيا، مع أن الواجب عليهم ألّا يفعلوا شيئا من ذلك، لأن الأحبار بمثابة العلماء العاملين، والرّهبان بمثابة المشايخ الصّوفية الكاملين المتقيدين بحدود الله، وكلمة كثير تفيد أن القليل منهم لا يفعل ذلك بل يجمع لنفسه وغيره منه ويتقيد بأوامره ونواهيه «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ