يجوز الاستغفار للكافر كما مرّ وفيها اشارة أخرى الى أنه لا ينفع المال صاحبه، ولو صرفه في وجوه البر إذا كان صاحبه شاكا أو كافرا، ولا ينفع الولد والده ولو كان صالحا إذا كان أبوه شاكا أو كافرا، فصلاح المال والولد ينفع عند الله إذا كان صاحبهما مؤمنا به، والا لا، والى هنا انتهى كلام الخليل عليه السّلام، خلافا لابن عطية القائل إن هذه الآيات منقطعة عن كلامه مخالفة سياق الآيات، قال تعالى «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» ٩٠ المعاصي حيث يروونها أمامهم، لأنها تقرب منهم في ذلك اليوم، ويتيقنون انهم محشورون إليها، لأن أهل الموقف حينما يقول الله تعالى (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية ٥٩ من سورة يس المارة تنقسم إلى قسمين فأهل موقف السعادة تتراءى لهم الجنة، وأهل موقف الشقاوة تظهر لهم النار «وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ» ٩١ الذين أغواهم هواهم عن طريق الحق، وفي الآية إشارة إلى أن رحمة الله تسبق غضبه، كما جاء في الحديث، لأن إظهار جهنم لا يستلزم قربها، وتقريب الجنة هو تقريبها من داخليها
«وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ٩٢ مِنْ دُونِ اللَّهِ» في دنياكم وتزعمون أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم، وأنهم يقربونكم من الله في هذا الموقف، هاتوهم وادعوهم لنرى «هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ» كما تقولون ويدفعون عنكم العذاب «أَوْ يَنْتَصِرُونَ» ٩٣ لأنفسهم ليدرأوا عنها العذاب؟ والجواب محذوف يفهم من المقام لأن السؤال سؤال توبيخ وتقريع، أي لا ينصرونكم ولا ينصرون أنفسهم وكلكم معذب، قال تعالى «فَكُبْكِبُوا فِيها» فقذفوا وطرحوا في الجحيم المذكورة منكوسين وهو تكرير كب مبالغة في الطرح كدمدم مبالغة في الدم أي الذقن وعسعس مبالغة في العس أي الظلمة «هُمْ وَالْغاوُونَ» ٩٤ من الإنس والجن المعبودون والعابدون جميعا لأنهم جنود إبليس ولهذا عطف عليه «وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ» ٩٥ من أتباعه وأنصاره ومواليهما، لأن من يعبد غير الله فهو عابد الشيطان، وإن عزيزا والمسيح والملائكة مبرءون من ذلك، لأنهم لم يدّعوا الإلهية ولم يأمروا بها، ولم يرضوا فيها، ولذلك فإنهم مبرءون مما نسب إليهم من العبادة، كما أنهم قد تبرأوا منها ومنهم.