ليزيدك من أفضاله «وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ» ما ظهر منها وما بطن وما كان منها عن قصد أو خطأ أو إكراه أو رغبة «خَبِيراً» ٥٨ بها لأن الخبرة معرفة بواطن الأمور ومن علم البواطن فهو في علم الظواهر أعلم. وفي هذه الآية وعيد وتهديد فكأنه جل جلاله يقول: إذا خالفتم أمري يكفيكم علمي بما تستحقونه من العقوبة إذ لا يخفى عليّ شيء مما تفعلون أو تتصورون.
[مطلب الأيام الستة ومعنى فاسأل به خبيرا:]
واعلموا أن ذلك الإله العظيم القادر هو «الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» زمانية بحسب تقديركم أيها الناس، والقصد من خلقها في ستة أيام مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة هو أنه جعل لكل شيء حدا محدودا لا يتعداه، فلا يدخل شيء من مخلوقاته في الوجود إلّا بالوقت الذي قدره لدخوله فيه، ولفائدة أخرى هي تعليم عبادة التؤدة والتريث في الأمور والتأني بفعلها.
قال عليه الصلاة والسلام: التأني من الله والعجلة من الشيطان. ولفائدة ثالثة وهي أن الشيء إذا فعل دفعة واحدة ظن وقوعه اتفاقيا، وإذا حدث شيئا فشيئا على سبيل المصلحة والحكمة كان أبلغ في القدرة وأقوى في الدلالة. والقول الفصل في هذا وغيره مما هو من شأن الله أن أفعال الله لا تعلل، اقرأ قوله جل قوله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) الآية ٢٣ من سورة الأنبياء في ج ٢، ولا شك أن الله تعالى قادر على إبادة هذا الكون بما فيه علوه وسفله وإنشائه كما كان أو على شكل آخر في لحظة واحدة، لأن أمره بذلك عبارة عن كن، قال تعالى:(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) الآية ٥٠ من سورة القمر المارة، راجع الآية ٨٢ من سورة يس، والآية ٥٤ من سورة الأعراف المارتين، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية ٩ من من سورة فصلت في ج ٢، «ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» استواء يليق بذاته ويراد به الاستيلاء والله أعلم «الرَّحْمنُ» بالرفع بدلا من ضمير استوى «فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً» ٥٩ بكل ما خطر ببالك وما لم يخطر، قال تعالى (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) الآية ١٤ من سورة فاطر الآتية، قيل الخبير هنا هو جبريل عليه السلام