وأصل السعي المشي السريع دون العدو وفوق الهرولة، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا وأكثره يستعمل في الأفعال المحمودة قال الشاعر:
أن أجز علقمه بن سعد سبعة ... لا أجزه ببلاء يوم واحد
وهذه الآية جاءت بمقابلة الآية قبلها، فإن تلك في الكافر وهذه في المؤمن بدلالة قوله «كُلًّا» أي كل واحد من الفريقين فالتنوين للعوض «نُمِدُّ» نزيد مرة بعد أخرى وهذا معنى المد والمدد «هؤُلاءِ» الذين يريدون الدنيا من زخارفها «وَهَؤُلاءِ» الذين يريدون الآخرة من نعيمها «مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ» الواسع الذي لا يتناهى وهذا العطاء ليس على طريق الوجوب بل بمحض الفضل «وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ» دنيويا كان أو أخرويا «مَحْظُوراً» ٢٠ ممنوعا عمن يريده، بل هو فائض على من قدر له بمقتضى المشيئة المبنية على الحكمة، فيرزق المؤمن والكافر في هذه الدنيا ثم يعذب الكافر في الآخرة ويثيب المؤمن فيها بحسب أعمالهما،
قال تعالى مخاطبا حبيبه محمدا صلّى الله عليه وسلم «انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» في هذه الدنيا بالرزق والجاه والعمل والشرف بحسب مراتب العطاء وتفاوت أهله «وَلَلْآخِرَةُ» الآتية «أَكْبَرُ دَرَجاتٍ» ٢١ في الفضل من درجات الدنيا وأعظم تفاوتا فيها «وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا» ٢١ من الدنيا، والفرق بين تفضيل الدنيا وتفضيل الآخرة كالفرق بين دركات جهنم ودرجات الجنة، وكالفرق بين الدنيا والآخرة، فعلى الراغب في التعالي بالدنيا أن تشتد رغبته في تعالي الآخرة أيضا، لأنها ذات مقام أبدي والدنيا مزرعة الآخرة فلها يعمل العاملون، وفيها فليتنافس المتنافسون، وقيل في المعنى:
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط في زمن الزرع
هذا وقد جاء في بعض الآثار أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال إن بين أعلى أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها وقد أرضى الله الجميع فما يغبط أحد أحدا. وقال الضحاك: الأعلى يرى فضله على من هو أسفل منه، والأسفل لا يرى أن فوقه أحدا، لهذا لا يحسد أحد الآخر على ما هو فيه من ذلك العطاء الواسع. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب عن الحسن قال: حضر جماعة من الناس باب عمر رضي الله عنه وفيهم سهيل بن عمرو القرشي وأبو سفيان بن