المقبل ودخلوا مكة محلقين ومقصرين، وأعقبه الله بفتح مكة قبل مرور سنتين على ذلك الصّلح، وقد مر سبب نقضه وكيفيته في قصة الحديبية في الآية ١٠ من سورة الممتحنة المارة، وقصة خيبر وقصة الفتح مرتا آنفا، وإلى هنا تنتهي الآيات النازلة في الطّريق، وإنما كانت متوالية وموضحة للحادثة، ولم تكن بالاشارة والتعريض كغيرها لازالة ما في قلوب المؤمنين من الغيظ الذي لحقهم بسبب تلك الشروط التي أدرجت في صك المعاهدة، لأنهم رأوها منقصة لقدرهم وضارة بهم لعدم علمهم بعاقبتها، إذ وقع الخسار
والخيبة والذل لأعدائهم فيها مما لم يتصوروه ولهذا قال بعض المفسرين إن هذه السّورة نزلت كلها في الطّريق تسامحا لنزول هذه الآيات.
مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:
قال تعالى:«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ» دين الإسلام دين ابراهيم عليه السّلام «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» بحيث لا يبقى على وجه الأرض غيره، وسيكون هذا بعد نزول عيسى عليه السّلام فعلا إن شاء الله، أما بالقوة فقد ظهرت تعاليمه وعمت وجه الأرض ودان به أهلها من حيث لا يعرفونه، وهذه شهادة من الله تعالى لهذا الدّين الحنيف «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً»(٢٨) على ذلك فلا قيمة لإنكار المنكرين وتكذيب المكذبين مع هذه الشّهادة القيمة. ثم صرح باسم هذا الرّسول الذي أظهره دينه على الأديان، فقال عز قوله «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» كما صرح باسمه الشّريف في الآية ١٤٤ من آل عمران والآية ٢ من سورته المارات أي أن هذا الرّسول العظيم صلّى الله عليه وسلم «وَالَّذِينَ مَعَهُ» من أصحابه الكرام والمؤمنين الصّادقين «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» أوداء رؤفاء بعضهم على بعض بمثابة الوالد على الولد، لا يثنيهم عن مقاتلة الكفار أحد لشدة إيمانهم بالله ومتانة عزمهم وقوة شكيمتهم واتفاق كلمتهم، وبمقابلة هذه الأوصاف الرّقيقة يقابلون أعداءهم بتلك الأوصاف الغليظة، ومع هذا فإنك «تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً» لمرضات ربهم «يَبْتَغُونَ» بتواددهم بعضهم وعبادتهم