خير «وَكانُوا» أصحاب محمد أهل بيعة الرّضوان «أَحَقَّ بِها» بتلك الكلمة المنطوية على فروع كثيرة من كفار المتلبسين بكلمة الكفر «وَأَهْلَها» المؤمنون المتلبسون بها، لأنهم الموحدون الله المتصفون بتقواه فهم أولى بالتّسربل بها، لأن الله كتبها لهم في علمه الأزلي «وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»(٢٦) ومن جملتها علمه بأن هذا الصّلح الذي يراه المؤمنون مجحفا فيهم خير لهم لما فيه من الفوائد التي سيطلعهم الله عليها بعد، والنّوائب للكافرين التي سيريهم إياها. هذا وكان صلّى الله عليه وسلم قبل أن يخرج إلى الحديبية رأى في المنام أنه دخل المسجد الحرام وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين، فقصها على أصحابه، فلما كان الصّلح ورجعوا دون أن يدخلوها قال المنافقون أين رؤياه التي رآها؟ فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله على طريق الحكاية عن رسوله صلّى الله عليه وسلم قوله عز قوله «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ» الذي لا مرية فيه، ثم أقسم جل شأنه تأكيدا لإنجاز وعده هذا لنبيه صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ» لا يقوتكم وإرادتكم ولتكونن «آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» منها «لا تَخافُونَ» أحدا أبدا، وهذا الاستثناء في قوله تعالى مع أن وعده حق واخباره صدق لا شبهة فيه عبارة عن تعليم عباده الأدب لئلا يجزموا بشيء مهما كان محققا ومهما كان عزمهم فيه جازما بإنجازه، لأنهم لا يعلمون ما يقدر الله من الحوائل دون تنفيذ ما صمموا على إجرائه، ولذلك أراد منهم الاستثناء في كلّ أمورهم بان لا يقسموا على فعل شيء أو يجزموا على اجرائه إلّا أن يقرنوا مشيئه الله معه، ولهذا أمرهم بقوله جل قوله (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) الآية ٢٤ من سورة الكهف في ج ٢ «فَعَلِمَ» الله تعالى من الخير في هذا الصّلح لكم «ما لَمْ تَعْلَمُوا» أنتم ولا غيركم عاقبته الحسنة، ولو علم أعداؤكم نتيجته كما وقعت لما فعلوه، لأن الله كادهم فيه «فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ» قبل نهاية أجل تلك المعاهدة «فَتْحاً قَرِيباً»(٢٧) عظيما هو فتح مكة المذكور في الآية ٧٥ من سورة النّساء المارة، وقد شرح فيه صدور المؤمنين وروج ما فيها من الاغبرار، ثم رجعوا من العام