فتميلوا إليهم وتدافعوا عنهم «حَتَّى يُهاجِرُوا» من دار الكفرة مرة ثانية هجرة صحيحة «فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ولأجله خاصّة لا لغرض أو عوض ويؤمنوا إيمانا حقيقيا «فَإِنْ تَوَلَّوْا» على ما هم عليه واستمروا على اعراضهم فلم يهاجروا ثانيا حال كونهم نادمين على ما وقع منهم مستغفرين من فعلهم ذلك تائبين توبة نصوحا.
[مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:]
وإلا فإن بقوا مصرين على بقاء إيثار دار الكفر ولم يهاجروا ويجددوا إيمانهم «فَخُذُوهُمْ» إذا ظفرتم بهم قبل إعلان إيمانهم عن صدق «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» في الحل أو الحرم أو الأشهر الحرم «وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً»(٨٩) على أعدائكم وإن بذلوا لكم ولايتهم ونصرتهم فلا تصدقوهم فهم أعداء لا يعتمد عليهم. ثم استثنى طائفين من القتل بين الأولى بقوله «إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ» وينتهون «إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ» بأن عاهدوكم عليهم ولم يحاربوكم بعد هذا العهد وهم بنو أسلم لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة وادع هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه وعلى أن من وصل إليه من قومه أو غيرهم ولجأ إليه فلهم الجوار مثل ما لهلال. وما قيل انهم بنو بكر أو خزيمة فالمعنى واحد، لأن الآية عامة ومن كان داخلا في العهد، وهؤلاء من أولئك، فإذا لحق هؤلاء بهم وصاروا معهم فقد عصموا دماءهم تبعا لمن لجأوا إليهم، وهذه غاية في المحافظة على العهد ونهاية في احترام المعاهدين. والطائفة الثانية هي المذكورة في قوله تعالى «أَوْ» الذين «جاؤُكُمْ» على كفرهم لاجئين لبلدكم «حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» وضاقت مذاهبهم كافين عن «أَنْ يُقاتِلُوكُمْ» مع قومهم «أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ» معكم فهؤلاء لا سبيل لكم على قتالهم لأنهم دخلاء «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ» ولكنه القى في قلوبهم الرعب وضيق صدورهم وبلادهم عليهم حتى لجأوا إليكم وهذا من جملة أفضاله عليكم ونصرته لكم