فيكفيهم ما ذمهم الله به في القرآن العظيم في آيات عديدة وليس بعد ذم الله ذم، فمن تسول له نفسه الاقتداء بفعلهم هذا فليشاركهم بغضب الله عليهم في الدّنيا وعذابهم في الآخرة وبهما كفاية له ولأمثاله. روى البخاري ومسلم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السّموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مفرد الذي بين جمادى وشعبان. أي حافظوا عليها ولا تبدلوا أو تؤخروا أو تحوروا فتخالفوا أمر الله فتسترجبوا غضبه. واعلم أن أول من سنّ التأخير في الأشهر الحرم نعيم بن ثعلبة وتبعه فيه قومه ومنهم جنادة بن عوف الذي أدرك رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم، وآخر ملوكهم القلمس وهو الذي أخر المحرم عن وقته من أجل السّبب المتقدم ذكره وفيه يقول الكميت:
ونحن النّاسئون على معدّ ... شهور حلّ نجعلها حراما
وهذا من باب الافتخار الجاهلي لأنهم كانوا لا يبالون بأن يفتخروا بالقتل والسّبي والتحريم والتحليل، كما يفتخرون بالكرم والشّجاعة والفصاحة، لأنهم لا يتقيدون بدين يمنعهم عن ذلك، ولا عادة يذمون بها، لذلك فإن افتخارهم بما هو مباح كافتخارهم بما هو محرم على حد سواء، وكلّ منهما عندهم مما يفتخر به.
[مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:]
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ» تباطئتم عن تلبية الأمر حالا ولم تسرعوا للاجابة وملتم الى الإخلاد «إِلَى الْأَرْضِ» والمكث فيها وكراهية الذهاب للجهاد في سبيل الله «أَرَضِيتُمْ» أيها المؤمنون الأعزاء الكرام «بِالْحَياةِ الدُّنْيا» الدنيئة واغتررتم بزخارفها المموّهة الفانية وآثرتموها «مِنَ الْآخِرَةِ» الباقية ذات النّعيم الدّائم، فتبّا وخسرا لمن آثر ما يفنى على ما يبقى، وآثر القعود على الجهاد «فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي» جنب الحياة «الْآخِرَةِ» مستمرة الرّاحة عظيمة الاستراحة «إِلَّا قَلِيلٌ»(٣٨) جدا، أخرج مسلم عن المسور قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم